لِأَبِي بِصَيْرٍ: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت! فَخَرَجَ أَبُو بِصَيْرٍ حَتّى أَتَى الْعِيصَ، فَنَزَلَ مِنْهُ نَاحِيَةً عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ عَلَى طَرِيقِ عِيرِ قُرَيْشٍ إلَى الشّامِ. قَالَ أَبُو بِصَيْرٍ: فَخَرَجْت وَمَا مَعِي مِنْ الزّادِ إلّا كَفّ مِنْ تَمْرٍ فَأَكَلْتهَا ثَلَاثَةَ أَيّامٍ، وَكُنْت آتِي السّاحِلَ فَأُصِيبُ حِيتَانًا قَدْ أَلْقَاهَا الْبَحْرُ فَآكُلُهَا. وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الّذِينَ قَدْ حُبِسُوا بِمَكّةَ، وَأَرَادُوا أَنْ يَلْحَقُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بِصَيْرٍ «وَيْلُ أُمّهِ، مِحَشّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ» ، فَجَعَلُوا يَتَسَلّلُونَ إلَى أَبِي بِصَيْرٍ.
وَكَانَ الّذِي كَتَبَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُسْلِمِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابُ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ بِالسّاحِلِ عَلَى طَرِيقِ عِيرِ قُرَيْشٍ، فَلَمّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ كِتَابُ عُمَرَ جَعَلُوا يُتَسَلّلُونَ رَجُلًا رَجُلًا حَتّى انْتَهَوْا إلَى أَبِي بِصَيْرٍ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ، قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا، فَكَانُوا قَدْ ضَيّقُوا عَلَى قُرَيْشٍ، لَا يَظْفَرُونَ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ إلّا قَتَلُوهُ، وَلَا تَمُرّ عِيرٌ إلّا اقْتَطَعُوهَا، حَتّى أَحْرَقُوا قُرَيْشًا، لَقَدْ مَرّ رَكْبٌ يُرِيدُونَ الشّامَ مَعَهُمْ ثَلَاثُونَ بَعِيرًا، وَكَانَ هَذَا آخِرُ مَا اقْتَطَعُوا، لَقَدْ أَصَابَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ دِينَارًا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْعَثُوا بِالْخُمُسِ إلَى رَسُولِ اللهِ. فَقَالَ أَبُو بِصَيْرٍ: لَا يَقْبَلُهُ رَسُولُ اللهِ، قَدْ جِئْت بِسَلَبِ الْعَامِرِيّ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، وَقَالَ «إنّي إذَا فَعَلْت هَذَا لَمْ أَفِ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ» . وَكَانُوا قَدْ أَمّرُوا عَلَيْهِمْ أَبَا بِصَيْرٍ، فَكَانَ يُصَلّي بِهِمْ وَيُفَرّضُهُمْ [ (١) ] وَيُجَمّعُهُمْ، وَهُمْ سَامِعُونَ لَهُ مُطِيعُونَ. فَلَمّا بَلَغَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قتل أبى بصير المعامرىّ اشْتَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَاَللهِ مَا صَالَحْنَا محمّدا على هذا.
[ (١) ] أى يفصل الحلال والحرام والحدود. (لسان العرب، ج ٩، ص ٦٧) . ويجمعهم: أى يصلى بهم الجمعة، (لسان العرب ج ٩، ص ٤١٠) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute