للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَمّا بَلَغَ أَبُو بِصَيْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَا بَلَغَ مِنْ الْغَيْظِ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ رَجُلًا، وَكَتَبَتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كِتَابًا يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ: أَلّا تُدْخِلَ أَبَا بِصَيْرٍ وَأَصْحَابَهُ، فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِهِمْ؟

وَكَتَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بِصَيْرٍ أَنْ يَقْدَمَ بِأَصْحَابِهِ مَعَهُ، فَجَاءَهُ الْكِتَابُ وَهُوَ يَمُوتُ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَهُوَ يَمُوتُ، فَمَاتَ وَهُوَ فِي يَدَيْهِ، فَقَبَرَهُ أَصْحَابُهُ هُنَاكَ وَصَلّوْا عَلَيْهِ، وَبَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَأَقْبَلَ أَصْحَابُهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، فِيهِمْ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. فَلَمّا دَخَلَ الْحَرّةَ عَثَرَ فَانْقَطَعَتْ إصْبَعُهُ فَرَبَطَهَا وَهُوَ يَقُولُ:

هَلْ أَنْتِ إلّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ ... وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيت

فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فَمَاتَ بِهَا. فَقَالَتْ أمّ سلمة: يا رسول الله، ايذن لِي أَبْكِي عَلَى الْوَلِيدِ. قَالَ: ابْكِي عَلَيْهِ!

قَالَ: فَجَمَعَتْ النّسَاءَ وَصَنَعَتْ لَهُنّ [ (١) ] طَعَامًا، فَكَانَ مِمّا ظَهَرَ مِنْ بُكَائِهَا:

يَا عَيْنُ فَابْكِي للول ... د بن الوليد بْنِ الْمُغِيرَهْ

مِثْلُ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِي ... دِ أَبِي الْوَلِيدِ كَفَى الْعَشِيرَهْ

فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي الزّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْدَادَ الْوَلِيدِ قَالَ: مَا اتّخَذُوا الْوَلِيدَ إلّا حَنَانًا.

وَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ قُرَشِيّةً خَرَجَتْ بَيْنَ أَبَوَيْهَا مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً إلَى اللهِ إلّا أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، كَانَتْ تُحَدّثُ تَقُولُ: كُنْت أَخْرُجُ إلَى بَادِيَةٍ لَنَا بِهَا أَهْلِي فَأُقِيمُ فِيهِمْ الثّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ، وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ التّنْعِيمِ- أَوْ قَالَتْ بِالْحِصْحَاصِ [ (٢) ]- ثُمّ أَرْجِعُ إلَى أهلى فلا ينكرون ذهابي، حتى أجمعت


[ (١) ] فى الأصل: «لهم» .
[ (٢) ] ويروى أيضا «الحصاص» ، وهو موضع بالحجاز. (معجم ما استعجم، ص ٢٨٩) .