للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثَمَانِيّةَ أَيّامٍ مُنْذُ فَارَقْتهمْ، فَهُمْ يَبْحَثُونَ قَدْرَ مَا كُنْت أَغِيبُ ثُمّ يَطْلُبُونَنِي، فَإِنْ لَمْ يَجِدُونِي رَحَلُوا إلَيّ فَسَارُوا ثَلَاثًا.

فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أُمّ سَلَمَةَ خَبَرَ أُمّ كُلْثُومٍ، فَرَحّبَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتْ أُمّ كُلْثُومٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي فَرَرْت بِدِينِي إلَيْك فَامْنَعْنِي وَلَا تَرُدّنِي إلَيْهِمْ يَفْتِنُونِي وَيُعَذّبُونِي، فَلَا صَبْرَ لِي عَلَى الْعَذَابِ، إنّمَا أَنَا امْرَأَةٌ وَضَعْفُ النّسَاءِ إلَى مَا تَعْرِفُ، وَقَدْ رَأَيْتُك رَدَدْت رَجُلَيْنِ إلَى الْمُشْرِكِينَ حَتّى امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا، وَأَنَا امْرَأَةٌ! فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن اللهَ نَقَضَ الْعَهْدَ فِي النّسَاءِ. وَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِنّ «الْمُمْتَحِنَةَ» ، وَحَكَمَ فِي ذَلِكَ بِحُكْمٍ رَضَوْهُ كُلّهُمْ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدّ مَنْ جَاءَ مِنْ الرّجَالِ، وَلَا يَرُدّ مَنْ جَاءَهُ مِنْ النّسَاءِ. وَقَدِمَ أَخَوَاهَا مِنْ الْغَدِ، الْوَلِيدُ وَعُمَارَةُ ابْنَا عُقْبَةَ بْنِ أبى معيط، فقالا: يا محمّد، فلنا بشرطنا وَمَا عَاهَدْتنَا عَلَيْهِ. فَقَالَ: قَدْ نَقَضَ اللهُ! فَانْصَرَفَا.

فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ الزّهْرِيّ، قَالَ: دَخَلْت عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَهُوَ يَكْتُبُ إلَى هُنَيْدٍ صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ كَتَبَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ [ (١) ] ، فَكَتَبَ إلَيْهِ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ، فَكَانَ يَرُدّ الرّجَالَ، فَلَمّا هَاجَرَ النّسَاءُ أَبَى اللهُ ذَلِكَ أَنْ يَرُدّهُنّ إذَا اُمْتُحِنّ بِمِحْنَةِ الْإِسْلَامِ، فَزَعَمَتْ أَنّهَا جَاءَتْ رَاغِبَةً فِيهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يردّ صدقاتهنّ


[ (١) ] سورة ٦٠ الممتحنة ١٠.