للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَصْدُقَك؟ قَالَ عَبّادٌ: نَعَمْ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ: الْقَوْمُ مَرْعُوبُونَ مِنْكُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ لِمَا قَدْ صَنَعْتُمْ بِمَنْ كَانَ بِيَثْرِبَ مِنْ الْيَهُودِ، وَإِنّ يَهُودَ يَثْرِبَ بَعَثُوا ابْنَ عَمّ لِي وَجَدُوهُ بِالْمَدِينَةِ، قَدْ قَدِمَ بِسِلْعَةٍ يَبِيعُهَا، فَبَعَثُوهُ إلَى كِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ يُخْبِرُونَهُ [ (١) ] بِقِلّتِكُمْ وَقِلّةِ خَيْلِكُمْ وَسِلَاحِكُمْ. [وَيَقُولُونَ لَهُ] :

فَاصْدُقُوهُمْ الضّرْبَ يَنْصَرِفُوا عَنْكُمْ، فَإِنّهُ لَمْ يَلْقَ قَوْمًا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ! وَقُرَيْشٌ وَالْعَرَبُ قَدْ سَرَوْا بِمَسِيرِهِ إلَيْكُمْ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ مَوَادّكُمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِكُمْ وَسِلَاحِكُمْ وَجَوْدَةِ حُصُونِكُمْ! وَقَدْ تَتَابَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَيْرُهُمْ مِمّنْ يَهْوَى هَوَى مُحَمّدٍ، تَقُولُ قُرَيْشٌ: إنّ خَيْبَرَ تَظْهَرُ! وَيَقُولُ آخَرُونَ: يَظْهَرُ مُحَمّدٌ، فَإِنْ ظَفَرَ مُحَمّدٌ فَهُوَ ذُلّ الدّهْرِ! قَالَ الْأَعْرَابِيّ: وَأَنَا أَسْمَعُ كُلّ هَذَا، فَقَالَ لِي كِنَانَةُ: اذْهَبْ مُعْتَرِضًا للطريق فإنهم لا يستنكرون مكانك، واحزرهم لَنَا، وَادْنُ مِنْهُمْ كَالسّائِلِ لَهُمْ مَا تَقْوَى بِهِ، ثُمّ أَلْقِ إلَيْهِمْ كَثْرَةَ عَدَدِنَا وَمَادّتِنَا فَإِنّهُمْ لَنْ يَدَعُوا سُؤَالَك، وَعَجّلْ الرّجْعَةَ إلَيْنَا بِخَبَرِهِمْ. فَأَتَى بِهِ عَبّادٌ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: اضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ عَبّادٌ: جَعَلْت لَهُ الْأَمَانَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكْهُ مَعَك يَا عَبّادُ! فَأَوْثِقْ رِبَاطًا.

فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّي دَاعِيك ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ لَمْ يَخْرُجْ الْحَبْلُ عَنْ عُنُقِك إلّا صَعَدًا! فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيّ، وَخَرَجَ الدّلِيلُ يَسِيرُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى انْتَهَى بِهِ، فَيَسْلُكُ بَيْنَ حِيَاضَ وَالسّرِيرِ [ (٢) ] ، فَاتّبَعَ صُدُورَ الْأَوْدِيَةِ حَتّى هَبَطَ بِهِ الْخَرَصَةَ [ (٣) ] ، ثُمّ نَهَضَ بِهِ حَتّى سَلَكَ بَيْنَ الشّقّ


[ (١) ] فى الأصل: «يخبروه» .
[ (٢) ] السرير: الوادي الأدنى بخيبر. (وفاء الوفا، ج ٢، ص ٣٢٢) .
[ (٣) ] الحرصة: حصن من حصون خيبر. (السيرة الحلبية، ج ٢، ص ١٥٨) .