للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَحَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِيّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَطَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي النّطَاةِ أَرْبَعَمِائَةِ عِذْقٍ، وَلَمْ تَقْطَعْ فِي غَيْرِ النّطَاةِ.

فَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَنْظُرُ إلَى صَوْرٍ [ (١) ] مِنْ كَبِيسٍ، قَالَ: أَنَا قَطَعْت هَذَا الصّوْرَ بِيَدِي حَتّى سَمِعْت بِلَالًا يُنَادِي عَزْمَةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَقْطَعُ النّخْلَ! فَأَمْسَكْنَا. قَالَ: وَكَانَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُقَاتِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ، وَكَانَ يَوْمًا صَائِفًا شَدِيدَ الْحَرّ، وَهُوَ أَوّلُ يَوْمٍ قَاتَلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ النّطَاةِ وَبِهَا بَدَأَ، فَلَمّا اشْتَدّ الْحَرّ عَلَى مَحْمُودٍ وَعَلَيْهِ أَدَاتُهُ كَامِلَةً جَلَسَ تَحْت حِصْنِ نَاعِم يَبْتَغِي فَيْئَهُ، وَهُوَ أَوّلُ حِصْنٍ بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَظُنّ مَحْمُودٌ أَنّ فِيهِ أَحَدًا مِنْ الْمُقَاتِلَةِ. إنّمَا ظَنّ أَنّ فِيهِ أَثَاثًا وَمَتَاعًا- وَنَاعِمٌ يَهُودِيّ، وَلَهُ حُصُونٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ فَكَانَ هَذَا مِنْهَا- فَدَلّى عَلَيْهِ مَرْحَبٌ رَحًى فَأَصَابَ رَأْسَهُ.

فَهَشّمَتْ الْبَيْضَةُ رَأْسَهُ حَتّى سَقَطَتْ جِلْدَةِ جَبِينِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَرَدّ الْجِلْدَةَ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ، وَعَصَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ. فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَوّلَ إلَى الرّجِيعِ وَخَافَ عَلَى أَصْحَابِهِ الْبَيَاتَ، فَضَرَبَ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ وَبَاتَ فِيهِ، وَكَانَ مَقَامُهُ بِالرّجِيعِ سَبْعَةَ أَيّامٍ، يَغْدُو كُلّ يَوْمٍ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَايَاتِهِمْ مُتَسَلّحِينَ وَيَتْرُكُ الْعَسْكَرَ بِالرّجِيعِ، وَيَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَيُقَاتِلُ أَهْلَ النّطَاةِ يَوْمَهُ إلَى اللّيْلِ، ثُمّ إذَا أَمْسَى رَجَعَ إلَى الرّجِيعِ. وَكَانَ قَاتَلَ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ أَسْفَلِ النّطَاةِ، ثُمّ عَادَ بَعْدُ فَقَاتَلَهُمْ مِنْ أَعْلَاهَا حَتّى


[ (١) ] الصور: النخل الصغار أو المجتمع. والكبيس: ضرب من التمر. (القاموس المحيط، ج ٢، ص ٧٣، ٢٤٥) .