الْقِتَالِ حَتّى يَأْذَنَ لَهُمْ، فَعَمِدَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ فَحَمَلَ عَلَى يَهُودِيّ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مَرْحَبٌ فَقَتَلَهُ. فَقَالَ النّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُسْتُشْهِدَ فُلَانٌ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْعِدْ مَا نَهَيْت عَنْ الْقِتَالِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ.
فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فَنَادَى: لَا تَحِلّ الْجَنّةُ لِعَاصٍ. ثُمّ أَذِنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِتَالِ وَحَثّ عَلَيْهِ، وَوَطّنَ الْمُسْلِمُونَ أنفسهم على القتال. وكان يسار الحبشىّ- عبد أَسْوَدَ [ (١) ] لِعَامِرٍ الْيَهُودِيّ- فِي غَنَمِ مَوْلَاهُ، فَلَمّا رَأَى أَهْلَ خَيْبَرَ يَتَحَصّنُونَ وَيُقَاتِلُونَ سَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: نُقَاتِلُ هَذَا الّذِي يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيّ. قَالَ: فَوَقَعَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فِي نَفْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِغَنَمِهِ يَسُوقُهَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، مَا تَقُولُ؟
مَا تدعو إليه؟ قال: أدعوا إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَأَنّي رَسُولُ اللهِ. قَالَ: فَمَا لِي؟ قَالَ: الْجَنّةُ إنْ ثَبَتّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَأَسْلَمَ. وَقَالَ:
إنّ غَنَمِي هَذِهِ وَدِيعَةٌ. فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْرِجْهَا مِنْ الْعَسْكَرِ ثُمّ صِحْ بِهَا وَارْمِهَا بِحَصَيَاتٍ، فَإِنّ الله عَزّ وَجَلّ سَيُؤَدّي عَنْك أَمَانَتَك. فَفَعَلَ الْعَبْدُ فَخَرَجْت الْغَنَمُ إلَى سَيّدِهَا، وَعَلِمَ الْيَهُودِيّ أَنّ عَبْدَهُ قَدْ أَسْلَمَ. وَوَعَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّاسَ وَفَرّقَ بَيْنَهُمْ الرّايَاتِ، وَكَانَتْ ثَلَاثَ رَايَاتٍ، وَلَمْ تَكُنْ رَايَةٌ قَبْلَ يَوْمِ خَيْبَرَ، إنّمَا كَانَتْ الْأَلْوِيَةُ، وَكَانَتْ رَايَةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّوْدَاءَ مِنْ بُرْدٍ لِعَائِشَةَ، تُدْعَى الْعِقَابَ، وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ، وَدَفَعَ رَايَةً إلَى عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَرَايَةً إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَرَايَةً إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَخَرَجَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ بِالرّايَةِ وَتَبِعَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ، فَاحْتُمِلَ فَأُدْخِلَ خِبَاءً مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ، فَاطّلَعَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه
[ (١) ] فى الأصل: «عبدا أسودا» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute