للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولمن معك بما هاهنا طَاقَةٌ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أَهْلُ حُصُونٍ مَنِيعَةٍ، وَرِجَالٍ عَدَدُهُمْ كَثِيرٌ، وَسِلَاحٌ. إنْ أَقَمْت هَلَكْت وَمَنْ مَعَك، وَإِنْ أَرَدْت الْقِتَالَ عَجّلُوا عَلَيْك بِالرّجَالِ وَالسّلَاحِ. وَلَا وَاَللهِ، مَا هَؤُلَاءِ كَقُرَيْشٍ، قَوْمٌ سَارُوا إلَيْك، إنْ أَصَابُوا غِرّةً مِنْك فَذَاكَ الّذِي أَرَادُوا وَإِلّا انْصَرَفُوا، وَهَؤُلَاءِ يُمَاكِرُونَكَ الْحَرْبَ ويطاولونك حتى تملّهم. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَشْهَدُ لَيَحْضُرَنّكَ فِي حِصْنِك هَذَا حَتّى تَطْلُبَ الّذِي كُنّا عَرَضْنَا عَلَيْك، فَلَا نُعْطِيك إلّا السّيْفَ، وَقَدْ رَأَيْت يَا عُيَيْنَةُ مِنْ قَدْ حَلَلْنَا بِسَاحَتِهِ مِنْ يَهُودِ يَثْرِبَ، كَيْفَ مَزّقُوا كُلّ مُمَزّقٍ! فَرَجَعَ سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، وَقَالَ سَعْدٌ:

يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ اللهَ مُنْجِزٌ لَك مَا وَعَدَك وَمُظْهِرٌ دِينَهُ، فَلَا تُعْطِ هَذَا الْأَعْرَابِيّ تَمْرَةً وَاحِدَةً، يَا رَسُولَ اللهِ، لَئِنْ أَخَذَهُ السّيْفُ لَيُسَلّمُنّهُمْ وَلَيُهَرّبْنَ إلَى بِلَادِهِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي الْخَنْدَقِ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُوَجّهُوا إلَى حِصْنِهِمْ الّذِي فِيهِ غَطَفَانُ، وَذَلِكَ عَشِيّةً وَهُمْ فِي حِصْنِ نَاعِم، فَنَادَى مُنَادِي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أَصْبِحُوا عَلَى رَايَاتِكُمْ عِنْدَ حِصْنِ نَاعِم الّذِي فِيهِ غَطَفَانُ. قَالَ: فَرُعِبُوا مِنْ ذَلِكَ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ، فَلَمّا كَانَ بَعْدَ هَذِهِ مِنْ تِلْكَ اللّيْلَةِ سَمِعُوا صَائِحًا يَصِيحُ، لَا يَدْرُونَ مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الْأَرْضِ: يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ، أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ! الْغَوْثَ، الْغَوْثَ بِحَيْفَاءَ- صِيحَ ثَلَاثَةً- لَا تُرْبَةَ وَلَا مَالَ! قَالَ: فَخَرَجْت غَطَفَانُ على الصّعب والذّلول، وكان أَمْرًا صَنَعَهُ اللهُ عَزّ وَجَلّ لِنَبِيّهِ. فَلَمّا أَصْبَحُوا أَخْبَرَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ وَهُوَ فِي الْكَتِيبَةِ بِانْصِرَافِهِمْ، فَسَقَطَ فِي يَدَيْهِ [ (١) ] ، وَذَلّ وَأَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ وَقَالَ: كُنّا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ فِي بَاطِلٍ، إنّا سِرْنَا فِيهِمْ فَوَعَدُونَا النّصْرَ وَغَرّونَا، وَلَعَمْرِي لَوْلَا مَا وَعَدُونَا مِنْ نَصْرِهِمْ ما نابذنا محمّدا بالحرب،


[ (١) ] فى الأصل: «فى أيديه» .