فَلَمّا أَصْبَحَ أَرْسَلَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَهُوَ أَرْمَدُ، فَقَالَ:
مَا أَبْصَرَ سَهْلًا وَلَا جَبَلًا. قَالَ: فَذَهَبَ إلَيْهِ فَقَالَ: افْتَحْ عَيْنَيْك. فَفَتْحهمَا فَتَفِلَ فِيهِمَا. قَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: فَمَا رَمِدَتْ حَتّى السّاعَةِ.
ثُمّ دَفَعَ إلَيْهِ اللّوَاءَ، وَدَعَا لَهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالنّصْرِ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ خَرَجَ إلَيْهِمْ الْحَارِثُ أَخُو مَرْحَبٍ فِي عَادِيَتِهِ، فَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ وَثَبَتَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَاضْطَرَبَا ضَرْبَاتٍ فَقَتَلَهُ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَرَجَعَ أَصْحَابُ الْحَارِثِ إلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ وَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَرَجَعَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مَوْضِعِهِمْ، وَخَرَجَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرّبُ
أَضْرِبُ أَحْيَانًا وَحِينًا أُضْرَبُ
فَحَمَلَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَقَطَرَهُ [ (١) ] عَلَى الْبَابِ وَفَتَحَ الْبَابِ: وَكَانَ لِلْحِصْنِ بَابَانِ.
وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ شُيُوخٍ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ قَالُوا: قَتَلَ أَبُو دُجَانَةَ الْحَارِثَ أَبَا زَيْنَبَ، وَكَانَ يَوْمئِذٍ مُعَلّمًا بِعِمَامَةٍ حَمْرَاءَ، وَالْحَارِثُ مُعَلّمٌ فَوْقَ مِغْفَرِهِ، وَيَاسِرٌ وَأُسَيْرٌ وَعَامِرٌ مُعَلّمِينَ.
حَدّثَنِي ابْن أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: نَزَلْت بِأَرِيحَا زَمَنَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِذَا حَيّ مِنْ الْيَهُودِ، وَإِذَا رَجُلٌ يَهْدِجُ مِنْ الْكِبَرِ.
فَقَالَ: مِمّنْ أَنْتُمْ؟ فَقُلْنَا: مِنْ الْحِجَازِ. فَقَالَ الْيَهُودِيّ: وَاشَوْقَاه إلَى الْحِجَازِ! أَنَا ابْنُ الْحَارِثِ الْيَهُودِيّ فَارِسُ خَيَابِرَ، قَتَلَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ يَوْمَ نَزَلَ مُحَمّدٌ خَيْبَرَ، وَكُنّا مِمّنْ أَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ إلَى الشّامِ. فَقُلْت: أَلَا تسلم؟ قال: أما إنّه خير لى
[ (١) ] قطره: أى ألقاه على أحد قطريه، وهما جانباه. (الصحاح، ص ٧٩٦) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute