للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا بَأْسُ بِهِ، يُؤْجَرُ [ (١) ] وَيُحْمَدُ.

وَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ يُحَدّثُ أَنّهُمْ حَاصَرُوا حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ، وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا، وَأَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ تَرْتَعُ وَرَاءَ حِصْنِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ؟

فَقُلْت: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَخَرَجْت أَسْعَى مِثْلَ الظّبْيِ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلّيًا قَالَ: اللهُمّ مَتّعْنَا بِهِ! فَأَدْرَكْت الْغَنَمَ وَقَدْ دَخَلَ أَوّلُهَا الْحِصْنَ، فَأَخَذْت شَاتَيْنِ مِنْ آخِرِهَا فَاحْتَضَنْتهمَا تَحْتَ يَدَيّ، ثُمّ أَقْبَلْت أَعْدُو كَأَنْ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ حَتّى أَتَيْت بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذُبِحَتَا ثُمّ قَسَمَهُمَا، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ الّذِينَ هُمْ مَعَهُ مُحَاصِرِينَ الْحِصْنَ إلّا أَكَلَ مِنْهَا. فَقِيلَ لِأَبِي الْيَسَرِ: وَكَمْ كَانُوا؟ قَالَ: كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا. فَيُقَالُ:

أَيْنَ بَقِيّةُ النّاسِ؟ فَيَقُولُ: فِي الرّجِيعِ بِالْمُعَسْكَرِ. فَسَمِعَ أَبُو الْيَسَرِ- وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ- وَهُوَ يَبْكِي فِي شَيْءٍ غَاظَهُ مِنْ بَعْضِ وَلَدِهِ، فَقَالَ: لَعَمْرِي بَقِيت بَعْدَ أَصْحَابِي وَمُتّعُوا بِي وَمَا أُمَتّعُ بِهِمْ! لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

اللهُمّ مَتّعْنَا بِهِ!

فَبَقِيَ فَكَانَ مِنْ آخِرِهِمْ.

وَكَانَ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيّ يُحَدّثُ قَالَ: أَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ، وَنَزَلْنَا خَيْبَرَ زَمَانَ الْبَلَحِ، وَهِيَ أَرْضٌ وَخِيمَةٌ حَارّةٌ شَدِيدٌ حُرّهَا. فَبَيْنَا نَحْنُ مُحَاصِرُونَ حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ فَخَرَجَ عِشْرُونَ حِمَارًا مِنْهُ أَوْ ثَلَاثُونَ، فَلَمْ يَقْدِرْ الْيَهُودُ عَلَى إدْخَالِهَا، وَكَانَ حِصْنُهُمْ له منعة، فأخذها المسلمون فانتحروها،


[ (١) ] فى الأصل: «يزجر» . وما أثبتناه عن السيرة الحلبية. (ج ٢، ص ١٦٤) .