فَمَكَثَ أَيّامًا يَحْتَرِقُ، وَخَوَابِي سَكَرٍ كُسِرَتْ، وَزُقَاقُ خَمْرٍ فَأُهْرِيقَتْ.
وَعَمِدَ يَوْمئِذٍ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَشَرِبَ مِنْ الْخَمْرِ، فَرَفَعَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَ حِينَ رَفَعَ إلَيْهِ فَخَفَقَهُ بِنَعْلَيْهِ، وَمَنْ حَضَرَهُ، فَخَفَقُوهُ بِنِعَالِهِمْ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللهِ الْخَمّارِ،
وَكَانَ رَجُلًا لَا يَصْبِرُ عَنْ الشّرَابِ قَدْ ضَرَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اللهُمّ الْعَنْهُ! مَا أَكْثَرَ مَا يُضْرَبُ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَفْعَلْ يَا عُمَرُ، فَإِنّهُ يُحِبّ اللهَ وَرَسُولَهُ.
قَالَ: ثُمّ رَاحَ عَبْدُ اللهِ فَجَلَسَ مَعَهُمْ كَأَنّهُ أَحَدُهُمْ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عن الحارث بن عبد الله بن كعب، عَنْ أُمّ عُمَارَةَ قَالَتْ: لَقَدْ وَجَدْنَا فِي حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ الطّعَامِ مَا كُنْت أَظُنّ أَنّهُ لَا يَكُونُ بِخَيْبَرَ، جَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَأْكُلُونَ مَقَامَهُمْ شَهْرًا وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْحِصْنِ، فَيَعْلِفُونَ دَوَابّهُمْ، مَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خُمُسٌ، وَأُخْرِجُ مِنْ الّبُزُوزِ شَيْءٌ كَثِيرٌ يُبَاعُ فِي الْمَقْسَمِ، وَوُجِدَ فِيهِ خَرْزٌ مِنْ خَرْزِ الْيَهُودِ. فَقِيلَ لَهَا:
فَمَنْ الّذِي يَشْتَرِي ذَلِكَ فِي الْمَقْسَمِ؟ قَالَتْ: الْمُسْلِمُونَ، وَالْيَهُودُ الّذِينَ كَانُوا فِي الْكَتِيبَةِ فَآمَنُوا، وَمَنْ حَضَرَ من الأعراب، فكل هولاء يَشْتَرِي، فَأَمّا مَنْ يَشْتَرِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنّمَا يُحَاسَبُ بِهِ مِمّا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَغْنَمِ.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمّا نَظَرَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْقُلُونَ مِنْهُ الطّعَامَ وَالْعَلَفَ وَالْبَزّ قَالَ: مَا أَحَدٌ يَعْلِفُ لَنَا دَوَابّنَا وَيُطْعِمُنَا مِنْ هَذَا الطّعَامِ الضّائِعِ، فَقَدْ كَانَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كِرَامًا! فَشَتَمَهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute