الثّيَابِ وَالْمَتَاعِ، وَكَانُوا قَدْ غَيّبُوا نَقُودَهُمْ وَعَيْنَ مَالِهِمْ.
قَالُوا: ثُمّ تَحَوّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْكَتِيبَةِ وَالْوَطِيحِ وَسُلَالِم، حصن ابن أَبِي الْحُقَيْقِ الّذِي كَانُوا فِيهِ، فَتَحَصّنُوا أَشَدّ التّحَصّنِ، وَجَاءَهُمْ كُلّ فَلّ [ (١) ] كَانَ قَدْ انْهَزَمَ مِنْ النّطَاةِ وَالشّقّ، فَتَحَصّنُوا مَعَهُمْ فِي الْقَمُوص وَهُوَ فِي الْكَتِيبَةِ، وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا، وَفِي الوطيح وسلالم. وجعلوا لا يطلعون مِنْ حُصُونِهِمْ مُغَلّقِينَ عَلَيْهِمْ، حَتّى هَمّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْصِبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَيْهِمْ لَمّا رَأَى مِنْ تَغْلِيقِهِمْ، وَأَنّهُ لَا يَبْرُزُ مِنْهُمْ بَارِزٌ.
فَلَمّا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ وَقَدْ حَصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصّلْحَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ: وُجِدَ فِي الْكَتِيبَةِ خَمْسُمِائَةِ قَوْسٍ عَرَبِيّةٌ. وَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَمّنْ رَأَى كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ يَرْمِي بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ- يَعْنِي ذِرَاعً- فَيُدْخِلُهَا فِي هَدَفٍ شِبْرًا فِي شِبْرٍ، فَمَا هُوَ إلّا أَنْ قِيلَ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ الشّقّ فِي أَصْحَابِهِ، وَقَدْ تَهَيّأَ أَهْلُ الْقَمُوص وَقَامُوا عَلَى بَابِ الْحِصْنِ بِالنّبْلِ، فَنَهَضَ كِنَانَةُ إلَى قَوْسِهِ فَمَا قَدَرَ أَنْ يُوتِرَهَا مِنْ الرّعْدَةِ، وَأَوْمَأَ إلَى أَهْلِ الْحُصُونِ: لَا تَرْمُوا! وَانْقَمَعَ فِي حِصْنِهِ، فَمَا رُئِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، حَتّى أَجْهَدَهُمْ الْحِصَارُ وَقَذَفَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ. فَأَرْسَلَ كِنَانَةَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ شَمّاخٌ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَنْزِلْ إلَيْك أُكَلّمْك! فَلَمّا نَزَلَ شَمّاخٌ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأُتِيَ بِهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِرِسَالَةِ كِنَانَةَ. فَأَنْعَمَ لَهُ، فَنَزَلَ كِنَانَةُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَصَالَحَهُ عَلَى مَا صَالَحَهُ، فَأَحْلَفَهُ عَلَى مَا أَحْلَفَهُ عَلَيْهِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ: تِلْكَ الْقِسِيّ وَالسّلَاحُ إنّمَا كَانَ لِآلِ أَبِي الْحُقَيْقِ جَمَاعَةٌ يُعِيرُونَهُ العرب، والحلي يعيرونه
[ (١) ] فل القوم: أى منهزموهم، يستوى فيه الواحد والجمع، يقال رجل فل وقوم فل. (الصحاح، ص ١٧٩٣) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute