للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَسَلّمَ قَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ وَغَنّمَهُ اللهُ مَا فِيهَا،

فَقَالَ عُيَيْنَةُ: أُعْطِنِي يَا مُحَمّدُ مِمّا غَنِمْت مِنْ حُلَفَائِي فَإِنّي انْصَرَفْت عَنْك وَعَنْ قِتَالِك وَخَذَلْت حُلَفَائِي وَلَمْ أُكْثِرْ عَلَيْك، وَرَجَعْت عَنْك بِأَرْبَعَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبْت، وَلَكِنْ الصّيَاحُ الّذِي سَمِعْت أَنَفَرَك إلَى أُهْلِكْ.

قَالَ: أَجْزِنِي يَا مُحَمّدُ. قَالَ: لَك ذُو الرّقَيْبَةِ. قَالَ عُيَيْنَةُ: وَمَا ذُو الرّقَيْبَةِ؟ قَالَ: الْجَبَلُ الّذِي رَأَيْت فِي النّوْمِ أَنّك أَخَذْته.

فَانْصَرَفَ عُيَيْنَةُ فَجَعَلَ يَتَدَسّسُ إلَى الْيَهُودِ وَيَقُولُ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ أَمْرًا، وَاَللهِ مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا يُصِيبُ مُحَمّدًا غَيْرَكُمْ. قُلْت: أَهْلُ الْحُصُونِ وَالْعُدّةِ وَالثّرْوَةِ، أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ وَأَنْتُمْ فِي هَذِهِ الْحُصُونِ الْمَنِيعَةِ، وَهَذَا الطّعَامِ الْكَثِيرِ مَا يُوجَدُ لَهُ آكِلٌ، وَالْمَاءُ الْوَاتِنُ. قَالُوا: قَدْ أَرَدْنَا الِامْتِنَاعَ فِي قَلْعَةِ الزّبَيْرِ وَلَكِنّ الدّبُولَ [ (١) ] قُطِعَتْ عَنّا، وَكَانَ الْحُرّ، فَلَمْ يَكُنْ لَنَا بَقَاءٌ عَلَى الْعَطَشِ. قَالَ: قَدْ وُلِيتُمْ مِنْ حُصُونِ نَاعِمٍ مُنْهَزِمِينَ حَتّى صِرْتُمْ إلَى حِصْنِ قَلْعَةِ الزّبَيْرِ. وَجَعَلَ يَسْأَلُ عَمّنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فَيُخْبِرُ، قَالَ: قُتِلَ وَاَللهِ أَهْلُ الْجَدّ وَالْجَلَدِ، لَا نِظَامَ ليهود بالحجاز أبدا. ويسمع كلامه ثعلبة بن سلّام بن أبى الحقيق، وكانوا يَقُولُونَ إنّهُ ضَعِيفُ الْعَقْلِ مُخْتَلِطٌ، فَقَالَ: يَا عُيَيْنَةُ، أَنْتَ غَرَرْتهمْ وَخَذَلْتهمْ وَتَرَكْتهمْ وَقِتَالَ مُحَمّدٍ، وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا صَنَعْت بِبَنِي قُرَيْظَةَ! فَقَالَ عُيَيْنَةُ:

إنّ مُحَمّدًا كَادَنَا فِي أَهْلِنَا، فَنَفَرْنَا إلَيْهِمْ حَيْثُ سَمِعْنَا الصّرِيخَ وَنَحْنُ نَظُنّ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ خَالَفَ إلَيْهِمْ، فَلَمْ نَرَ شَيْئًا فَكَرَرْنَا إلَيْكُمْ لِنَنْصُرَكُمْ. قَالَ ثَعْلَبَةُ: وَمَنْ بَقِيَ تَنْصُرُهُ؟ قَدْ قُتِلَ مِنْ قُتِلَ وَبَقِيَ مَنْ بقي فصار عبدا لمحمّد، وسبانا،


[ (١) ] فى الأصل: «الذيول» .