فَكَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى تُوُفّيَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، وَكَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ النّخْلَ، فَكَانَ يَخْرُصُهَا فَإِذَا خَرَصَ قَالَ: إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَتَضْمَنُونَ نِصْفَ مَا خَرَصْت، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا وَنَضْمَنُ لَكُمْ مَا خَرَصْت. وَإِنّهُ خَرَصَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ، فَجَمَعُوا لَهُ حُلِيّا مِنْ حُلِيّ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا: هَذَا لَك، وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ.
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَاَللهِ إنّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللهِ إلَيّ، وَمَا ذَاكَ يَحْمِلُنِي أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ! فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، فَلَمّا قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيهَانِ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، وَيُقَالُ: جَبّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَكَانَ يَصْنَعُ بِهِمْ مِثْلَ مَا كَانَ يَصْنَعُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَيُقَالُ: الّذِي خَرَصَ بَعْدَ ابْنِ رَوَاحَةَ عَلَيْهِمْ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو.
قَالُوا: وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقَعُونَ فِي حَرْثِهِمْ وَبَقْلِهِمْ بَعْدَ الْمُسَاقَاةِ وَبَعْدَ أَنْ صَارَ لِيَهُودَ نِصْفُهُ، فَشَكَتْ الْيَهُودُ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، وَيُقَالُ: عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَنَادَى: إنّ الصّلَاةَ جَامِعَةٌ، وَلَا يَدْخُلْ الْجَنّةَ إلّا مُسْلِمٌ. فَاجْتَمَعَ النّاسُ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ: إنّ الْيَهُودَ شَكَوْا إلَيّ أَنّكُمْ وَقَعْتُمْ فِي حَظَائِرِهِمْ، وَقَدْ أَمّنّاهُمْ عَلَى دِمَائِهِمْ وَعَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاَلّذِي فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَرَاضِيِهِمْ، وَعَامَلْنَاهُمْ، وَإِنّهُ لَا تَحِلّ أَمْوَالُ الْمُعَاهَدِينَ إلّا بِحَقّهَا. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَأْخُذُونَ مِنْ بِقَوْلِهِمْ شَيْئًا إلّا بِثَمَنٍ، فَرُبّمَا قَالَ الْيَهُودِيّ لِلْمُسْلِمِ: أَنَا أُعْطِيكَهُ بَاطِلًا [ (١) ] ! فَيَأْبَى الْمُسْلِمُ إلّا بِثَمَنٍ.
قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَقَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِي الْكَتِيبَةِ، فقال قائل: كانت
[ (١) ] فى الأصل: «أنا أعطكيه باطل» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute