يَمُوجُونَ فِي شَأْنِ مَا تَبَايَعُوا عَلَيْهِ، عَمِدَ [ (١) ] الْعَبّاسُ إلَى حِلّةٍ فَلَبِسَهَا، وَتَخَلّقَ الْخَلُوقَ وَأَخَذَ فِي يَدِهِ قَضِيبًا، ثُمّ أَقْبَلَ يَخْطِرُ حَتّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ، فَقَرَعَهُ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ: لَا تَدْخُلْ، أَبَا الْفَضْلِ! قَالَ: فَأَيْنَ الْحَجّاجُ؟
قَالَتْ: انْطَلَقَ إلَى غَنَائِمِ مُحَمّدٍ لِيَشْتَرِيَ مِنْهَا الّتِي أَصَابَتْ الْيَهُودُ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْبِقَهُ التّجّارُ إلَيْهَا. فَقَالَ لَهَا الْعَبّاسُ: فَإِنّ الرّجُلَ لَيْسَ لَك بِزَوْجٍ إلّا أَنْ تَتّبِعِي دِينَهُ، إنّهُ قَدْ أَسْلَمَ وَحَضَرَ الْفَتْحَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَإِنّمَا ذَهَبَ بِمَالِهِ هَارِبًا مِنْك وَمِنْ أَهْلِك أَنْ يَأْخُذُوهُ. قَالَتْ: أَحَقّا يَا أَبَا الْفَضْلِ؟ قَالَ: إي وَاَللهِ! قَالَتْ: وَالثّواقِب إنّك لَصَادِقٌ. ثُمّ قَامَتْ تُخْبِرُ أَهْلَهَا، وَانْصَرَفَ الْعَبّاسُ إلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ يَتَحَدّثُونَ بِمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ الْحَجّاجِ، فَلَمّا نَظَرُوا إلَيْهِ وَإِلَى حَالِهِ تَغَامَزُوا وَعَجِبُوا مِنْ تَجَلّدِهِ، ثُمّ دَخَلَ فِي الطّوَافِ بِالْبَيْتِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْفَضْلِ، هَذَا وَاَللهِ التّجَلّدُ لِحُرّ الْمُصِيبَةِ! أَيْنَ كُنْت مُنْذُ ثَلَاثٍ لَا تَطْلُعُ؟ قَالَ الْعَبّاسُ: كَلّا وَاَلّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ، لَقَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ وَتَرَكَ عَرُوسًا عَلَى ابْنَةِ مَلِكِهِمْ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، وَضَرَبَ أَعْنَاقَ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ الْبِيضِ الْجِعَادِ الّذِينَ رَأَيْتُمُوهُمْ سَادَةَ النّضِيرِ مِنْ يَثْرِبَ، وَهَرَبَ الْحَجّاجُ بِمَالِهِ الّذِي عِنْدَ امْرَأَتِهِ. قَالُوا: مَنْ خَبّرَك بِهَذَا؟ قَالَ الْعَبّاسُ: الصّادِقُ فِي نَفْسِي، الثّقَةُ فِي صَدْرِي، فَابْعَثُوا إلَى أَهْلِهِ! فَبَعَثُوا فَوَجَدُوا الْحَجّاجَ قَدْ انْطَلَقَ بِمَالِهِ وَاسْتَكْتَمَ أَهْلَهُ حَتّى يُصْبِحَ، فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ كُلّهِ فَوَجَدُوهُ حَقّا، فَكَبّتْ الْمُشْرِكُونَ وَفَرِحَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَلَمْ تَلْبَثْ قُرَيْشٌ خمسة أيّام حتى جاءهم الخبر بذلك.
[ (١) ] فى الأصل: «وعمد» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute