قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: ثُمّ حَجّ حَجّةَ الْوَدَاعِ. فَأَحْرَمَ مِنْ الْبَيْدَاءِ، وَهَذِهِ الْعُمْرَةُ مِنْ الْمَسْجِدِ، لِأَنّ طَرِيقَهُ لَيْسَ عَلَى الْبَيْدَاءِ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبّي، وَالْمُسْلِمُونَ يُلَبّونَ، وَمَضَى مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِالْخَيْلِ إلَى مَرّ الظّهْرَانِ، فَيَجِدُ بِهَا نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ فَسَأَلُوا مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَقَالَ:
هَذَا رَسُولُ اللهِ، يُصْبِحُ هَذَا الْمَنْزِلَ غَدًا إنْ شَاءَ اللهُ. فَرَأَوْا سِلَاحًا كَثِيرًا مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، فَخَرَجُوا سِرَاعًا حَتّى أَتَوْا قُرَيْشًا فَأَخْبَرُوهُمْ بِاَلّذِي رَأَوْا مِنْ الْخَيْلِ وَالسّلَاحِ، فَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ فَقَالُوا: وَاَللهِ مَا أَحْدَثْنَا حَدَثًا، وَنَحْنُ عَلَى كِتَابِنَا وَمُدّتِنَا، فَفِيمَ يَغْزُونَا مُحَمّدٌ فِي أَصْحَابِهِ؟ وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرّ الظّهْرَانِ، وَقَدّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّلَاحَ إلَى بَطْنِ يَأْجَجَ حَيْثُ يَنْظُرُ إلَى أَنْصَابِ الْحَرَمِ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الْأَحْنَفِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى لَقَوْهُ بِبَطْنِ يَأْجَجَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ وَالْهَدْيُ وَالسّلَاحُ، قَدْ تَلَاحَقُوا،
فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ! وَاَللهِ مَا عَرَفْت صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا بِالْغَدْرِ! تَدْخُلُ بِالسّلَاحِ الْحَرَمَ عَلَى قَوْمِك، وَقَدْ شَرَطْت أَلّا تَدْخُلَ إلّا بِسِلَاحِ الْمُسَافِرِ، السيوف في القرب! فقال رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نَدْخُلُهَا إلّا كَذَلِك.
ثُمّ رَجَعَ سَرِيعًا بِأَصْحَابِهِ إلَى مَكّةَ فَقَالَ:
إنّ مُحَمّدًا لَا يَدْخُلُ بِسِلَاحٍ، وَهُوَ عَلَى الشّرْطِ الّذِي شَرَطَ لَكُمْ. فَلَمّا جَاءَ مِكْرَزٌ بِخَبَرِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرِجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكّةَ إلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَخَلّوْا مَكّةَ، وَقَالُوا: وَلَا نَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَا إلَى أَصْحَابِهِ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَدْيِ أَمَامَهُ حَتّى حُبِسَ بِذِي طُوًى. وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَحِمَهُمْ اللهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute