للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُوضِعُ [ (١) ] ؟ وَاَللهِ لَيَظْهَرَنّ مُحَمّدٌ عَلَى قُرَيْشٍ! فَخَلّفْت [ (٢) ] مَالِي بِالرّهْطِ وَأَفْلَتْ- يَعْنِي مِنْ النّاسِ- فَلَمْ أحضر الحديبية وَلَا صُلْحَهَا، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصّلْحِ وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ إلَى مَكّةَ، فَجَعَلْت أَقُولُ: يَدْخُلُ مُحَمّدٌ قَابِلًا مَكّةَ بِأَصْحَابِهِ، مَا مَكّةُ بِمَنْزِلٍ وَلَا الطّائِفُ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ خَيْرٌ مِنْ الْخُرُوجِ. وَأَنَا بَعْدُ نَاتٍ [ (٣) ] عَنْ الْإِسْلَامِ، أَرَى لَوْ أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ كُلّهَا لَمْ أُسْلِمْ. فَقَدِمْت مَكّةَ فَجَمَعْت رِجَالًا مِنْ قَوْمِي كَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي وَيَسْمَعُونَ مِنّي وَيُقَدّمُونَنِي فِيمَا نَابَهُمْ، فَقُلْت لَهُمْ: كَيْفَ أَنَا فِيكُمْ؟ قَالُوا: ذُو رَأْيِنَا وَمِدْرَهُنَا [ (٤) ] ، مَعَ يُمْنِ نَفْسٍ وَبَرَكَةِ أَمْرٍ [ (٥) ] . قَالَ، [قُلْت] : تَعْلَمُونَ وَاَللهِ أَنّي لَأَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ أَمْرًا يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوّا مُنْكَرًا، وَإِنّي قَدْ رَأَيْت رَأْيًا.

قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَالَ: نَلْحَقُ بِالنّجَاشِيّ فَنَكُونُ عِنْدَهُ، فَإِنْ كَانَ يَظْهَرُ مُحَمّدٌ كُنّا عِنْدَ النّجَاشِيّ، فَنَكُونُ تَحْتَ يَدِ النّجَاشِيّ أَحَبّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدِ مُحَمّدٍ، وَإِنْ تَظْهَرُ قُرَيْشٌ فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا. قَالُوا: هَذَا الرّأْيُ! قَالَ: فَاجْمَعُوا مَا تُهْدُونَهُ لَهُ. وَكَانَ أَحَبّ مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمُ.

قَالَ: فَجَمَعْنَا أَدَمًا كَثِيرًا، ثُمّ خَرَجْنَا حَتّى قَدِمْنَا على النّجاشىّ، فو الله إنّا لَعِنْدَهُ إذْ جَاءَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَهُ إلَيْهِ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ إلَيْهِ يُزَوّجُهُ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، فَدَخَلَ


[ (١) ] أوضع البعير راكبه: إذا حمله على سرعة السير. (النهاية، ج ٤، ص ٢١٦) .
[ (٢) ] فى ابن كثير عن الواقدي: «فلحقت بمالي بالرهط وأقللت من الناس» . (البداية والنهاية، ج ٤، ص ٢٣٦) .
[ (٣) ] فى ابن كثير عن الواقدي: «فأنا نائى» . (البداية والنهاية، ج ٤، ص ٢٣٦) .
[ (٤) ] المدره: السيد الشريف، والمقدم فى اللسان واليد عند الخصومة والقتال. (القاموس المحيط، ج ٤، ص ٢٨٣) .
[ (٥) ] فى الأصل: «مع يمن بفيته وبركة» . وفى ابن كثير عن الواقدي: «فى يمن نفسه وبركة أمر» .
(البداية والنهاية، ج ٤، ص ٢٣٦) .