للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَدَعَا لِي بِطَسْتٍ فَغَسَلَ عَنّي الدّمَ وَكَسَانِي ثِيَابًا، وَكَانَتْ ثِيَابِي قَدْ امْتَلَأَتْ مِنْ الدّمِ فَأَلْقَيْتهَا، ثُمّ خَرَجْت إلَى أَصْحَابِي فَلَمّا رَأَوْا كِسْوَةَ الْمَلِكِ سُرّوا بِذَلِكَ وَقَالُوا: هَلْ أَدْرَكْت مَنْ صَاحِبُك مَا أَرَدْت؟ فَقُلْت لَهُمْ: كَرِهْت أَنْ أُكَلّمَهُ فِي أَوّلِ مَرّةٍ وَقُلْت أَعُودُ إلَيْهِ. قَالُوا: الرّأْيُ مَا رَأَيْت! وَفَارَقْتهمْ كَأَنّي أَعْمِدُ لِحَاجَةٍ فَعَمِدْت إلَى مَوْضِعِ السّفُنِ، فَأَجِدُ سَفِينَةً قَدْ شُحِنَتْ بِرُقَعٍ [ (١) ] ، فَرَكِبْت مَعَهُمْ وَدَفَعُوهَا حَتّى انْتَهَوْا إلَى الشّعَيْبَةِ [ (٢) ] ، وَخَرَجْت مِنْ الشّعَيْبَةِ وَمَعِي نَفَقَةٌ، فَابْتَعْت بَعِيرًا وَخَرَجْت أُرِيدُ الْمَدِينَةَ حَتّى خَرَجْت عَلَى مَرّ الظّهْرَانِ، ثُمّ مَضَيْت حَتّى كُنْت بِالْهَدّةِ، إذَا رَجُلَانِ قَدْ سَبَقَانِي بِغَيْرِ كَثِيرٍ يُرِيدَانِ مَنْزِلًا، وَأَحَدُهُمَا دَاخِلٌ فِي خَيْمَةٍ، وَالْآخَرُ قَائِمٌ يُمْسِكُ الرّاحِلَتَيْنِ، فَنَظَرْت وَإِذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقُلْت: أَبَا سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت:

أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: مُحَمّدًا، دَخَلَ النّاسُ فِي الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ بِهِ طَمَعٌ [ (٣) ] ، وَاَللهِ لَوْ أَقَمْنَا لَأَخَذَ بِرِقَابِنَا كَمَا يُؤْخَذُ بِرِقْبَةِ الضّبُعِ فِي مَغَارَتِهَا.

قُلْت: وَأَنَا وَاَللهِ قَدْ أَرَدْت مُحَمّدًا وَأَرَدْت الْإِسْلَامَ. وَخَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَرَحّبَ بِي فَنَزَلْنَا جَمِيعًا فِي الْمَنْزِلِ، ثُمّ تَرَافَقْنَا [ (٤) ] حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَمَا أَنْسَى قَوْلَ رَجُلٍ لَقِينَاهُ بِبِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ يَصِيحُ: يَا رَبَاحُ! يَا رَبَاحُ! فَتَفَاءَلْنَا بِقَوْلِهِ وَسِرْنَا، ثُمّ نَظَرَ إلَيْنَا فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: قَدْ أَعْطَتْ مَكّةُ الْمَقَادَةَ بَعْدَ هَذَيْنِ! فَظَنَنْت أَنّهُ يَعْنِينِي وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، ثُمّ وَلّى مدبرا إلى المسجد سريعا


[ (١) ] فى ابن كثير عن الواقدي: «قد شحنت تدفع» . (البداية والنهاية، ج ٤، ص ٢٣٧) .
ورقع: جمع رقعة، كهمزة: شجرة عظيمة. (القاموس المحيط، ج ٣، ص ٣١) .
[ (٢) ] فى ابن كثير عن الواقدي: «الشعبة» . (البداية والنهاية، ج ٤، ص ٢٣٧) . والشعيبة: على شاطئ البحر بطريق اليمن. (معجم ما استعجم، ص ١٨٤) .
[ (٣) ] فى ابن كثير عن الواقدي: «طعم» . (البداية والنهاية، ج ٤، ص ٢٣٧) .
[ (٤) ] فى ابن كثير عن الواقدي: «ثم اتفقنا» . (البداية والنهاية، ج ٤، ص ٢٣٨) .