للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يَنْتَهُوا إلَى مَقْتَلِ الْحَارِثِ بْن عُمَيْرٍ، فَلَمّا فَصَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمَدِينَةِ سَمِعَ الْعَدُوّ بِمَسِيرِهِمْ فَجَمَعُوا الْجَمُوعَ. وَقَامَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ شُرَحْبِيلُ بِالنّاسِ، وَقَدّمَ الطّلَائِعَ أَمَامَهُ، وَقَدْ نَزَلَ الْمُسْلِمُونَ وَادِيَ الْقُرَى وَأَقَامُوا أَيّامًا، وَبَعَثَ أَخَاهُ سَدُوسَ وَقُتِلَ سَدُوسُ وَخَافَ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرٍو فَتَحَصّنَ، وَبَعَثَ أَخًا لَهُ يُقَالُ لَهُ وَبْرُ بْنُ عَمْرٍو. فَسَارَ الْمُسْلِمُونَ حَتّى نَزَلُوا أَرْضَ مَعَانٍ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، فَبَلَغَ النّاسُ أَنّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ فِي بَهْرَاءَ وَوَائِلٍ وَبَكْرٍ وَلَخْمٍ وَجُذَامَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ، عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَلِيّ يُقَالُ لَهُ مَالِكٌ. فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا لَيْلَتَيْنِ لِيَنْظُرُوا فِي أَمْرِهِمْ وَقَالُوا: نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرُهُ الْخَبَرَ، فَإِمّا يَرُدّنَا وَإِمّا يَزِيدُنَا رِجَالًا. فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ جَاءَهُمْ ابْنُ رَوَاحَةَ فَشَجّعَهُمْ ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ مَا كُنّا نُقَاتِلُ النّاسَ بِكَثْرَةِ عَدَدٍ، وَلَا بِكَثْرَةِ سِلَاحٍ، وَلَا بِكَثْرَةِ خُيُولٍ، إلّا بِهَذَا الدّينِ الّذِي أَكْرَمْنَا اللهُ بِهِ. انْطَلِقُوا! [ (١) ] وَاَللهِ لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلّا فرسان، ويوم أحد فرس وَاحِدٌ، وَإِنّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إمّا ظُهُورٌ عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَوَعَدَنَا نَبِيّنَا، وَلَيْسَ لِوَعْدِهِ خُلْفٌ، وَإِمّا الشّهَادَةُ فَنَلْحَقُ بِالْإِخْوَانِ نُرَافِقُهُمْ فِي الْجِنَانِ! فَشَجّعَ النّاسَ عَلَى مِثْلِ قَوْلِ ابْنِ رَوَاحَةَ.

فَحَدّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هَرِيرَةَ، قَالَ:

شَهِدْت مُؤْتَةَ، فَلَمّا رَأَيْنَا الْمُشْرِكِينَ رَأَيْنَا مَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ مِنْ الْعَدَدِ وَالسّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَالدّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ وَالذّهَبِ، فَبَرِقَ بَصَرِي، فَقَالَ لِي ثابت ابن أقرم: يَا أَبَا هَرِيرَةَ، مَا لَك؟ كَأَنّك تَرَى جَمُوعًا كَثِيرَةً. قُلْت:

نَعَمْ، قَالَ: تَشْهَدُنَا بِبَدْرٍ؟ إنّا لم ننصر بالكثرة!


[ (١) ] فى ح: «انطلقوا فقاتلوا» .