بَنِي مُرّةَ كَانَ فِي الْجَيْشِ، قِيلَ لَهُ: إنّ النّاسَ يَقُولُونَ إنّ خَالِدًا انْهَزَمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. فَقَالَ: لَا وَاَللهِ مَا كَانَ ذَلِكَ! لَمّا قُتِلَ ابْنُ رَوَاحَةَ نَظَرْت إلَى اللّوَاءِ قَدْ سَقَطَ، وَاخْتَلَطَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ: فَنَظَرْت إلَى اللّوَاءِ فِي يَدِ خَالِدٍ مُنْهَزِمًا، وَاتّبَعْنَاهُ فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ.
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا قُتِلَ ابْنُ رَوَاحَةَ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ أَسْوَأَ هَزِيمَةٍ رَأَيْتهَا قَطّ. فِي كُلّ وَجْهٍ. ثُمّ إنّ الْمُسْلِمِينَ تَرَاجَعُوا. فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ ثابت بن أقرم، فَأَخَذَ اللّوَاءَ وَجَعَلَ يَصِيحُ بِالْأَنْصَارِ، فَجَعَلَ النّاسُ يَثُوبُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ وَهُمْ قَلِيلٌ وَهُوَ يَقُولُ: إلَيّ أَيّهَا النّاسُ! فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ. قَالَ: فَنَظَرَ ثَابِتٌ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَقَالَ: خُذْ اللّوَاءَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ! فَقَالَ: لَا آخُذُهُ، أَنْتَ أَحَقّ بِهِ، أَنْتَ رَجُلٌ لَك سِنّ. وَقَدْ شَهِدْت بَدْرًا. قَالَ ثَابِتٌ: خذه أيّها الرجل! فو الله مَا أَخَذْته إلّا لَك! فَأَخَذَهُ خَالِدٌ فَحَمَلَهُ سَاعَةً، وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ. فَثَبَتَ حَتّى تَكَرْكَرَ [ (١) ] الْمُشْرِكُونَ، وَحَمَلَ بِأَصْحَابِهِ فَفَضّ جَمْعًا مِنْ جَمْعِهِمْ، ثُمّ دَهَمَهُ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَانْحَاشَ الْمُسْلِمُونَ فَانْكَشَفُوا رَاجِعِينَ.
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ. عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدّثَنِي نَفَرٌ مِنْ قَوْمِي حَضَرُوا يَوْمئِذٍ قَالُوا: لَمّا أَخَذَ اللّوَاءَ انْكَشَفَ بِالنّاسِ فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ، وَقُتِلَ الْمُسْلِمُونَ، وَاتّبَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ، فَجَعَلَ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَصِيحُ: يَا قَوْمِ، يُقْتَلُ الرّجُلُ مُقْبِلًا أَحْسَنُ أَنْ يُقْتَلَ مُدْبِرًا! يَصِيحُ بِأَصْحَابِهِ فَمَا يَثُوبُ إلَيْهِ أَحَدٌ، هي الهزيمة، ويتبعون صاحب الراية منهزما.
[ (١) ] تكركر الرجل فى أمره. أى تردد. (الصحاح، ص ٨٠٥) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute