للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذْ أَقْبَلَ خِرَاشُ بْنُ أُمَيّةَ مُشْتَمِلًا عَلَى السيف، فقال: هكذا عن [ (١) ] الرجل! فو الله مَا ظَنّ النّاسُ إلّا أَنّهُ يُفَرّجُ عَنْهُ النّاسُ لِيَنْصَرِفُوا عَنْهُ، فَانْفَرَجُوا [ (٢) ] عَنْهُ، فَلَمّا انْفَرَجَ النّاسُ عَنْهُ حَمَلَ عَلَيْهِ خِرَاشُ بْنُ أُمَيّةَ بِالسّيْفِ فَطَعَنَهُ بِهِ فِي بَطْنِهِ، وَابْنُ الْأَدْلَعِ مُسْتَنِدٌ إلَى جِدَارٍ مِنْ جُدُرِ مَكّةَ، فَجَعَلَتْ حِشْوَتُهُ تَسَايَلَ مِنْ بَطْنِهِ، وَإِنّ عَيْنَيْهِ لَتَبْرُقَانِ فِي رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ فَعَلْتُمُوهَا يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ! فَوَقَعَ الرّجُلُ فَمَاتَ،

فَسَمِعَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم بِقَتْلِهِ، فَقَامَ خَطِيبًا- وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ بَعْدَ الظّهْرِ- فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ، إنّ اللهَ قَدْ حَرّمَ مَكّةَ يَوْمَ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَيَوْمَ خَلَقَ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَوَضَعَ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ، فَهِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. لَا يَحِلّ لِمُؤْمِنِ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ فِيهَا شَجَرًا، لَمْ تَحِلّ لِأَحَدِ كَانَ قَبْلِي، وَلَا تَحِلّ لِأَحَدِ بَعْدِي، وَلَمْ تَحِلّ لِي إلّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمّ رَجَعْت كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، فَلْيُبَلّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ قَاتَلَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا: إنّ اللهَ قَدْ أَحَلّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلّهَا لَكُمْ! يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ، ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ عَنْ الْقَتْلِ، فَقَدْ وَاَللهِ كَثُرَ [الْقَتْلُ] [ (٣) ] إنْ نَفَعَ، وَقَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ، وَاَللهِ لَأَدِيَنه! فَمَنْ قُتِلَ بَعْدَ مَقَامِي هَذَا فَأَهْلُهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءُوا فَدَمُ قَتِيلِهِمْ، وَإِنْ شَاءُوا فَعَقْلُهُ.


[ (١) ] هكذا: اسم سمى به الفعل ومعناه تنحوا عن الرجل، وعن متعلقة بما فى «هكذا» من معنى الفعل.
(شرح أبى ذر، ص ٣٧٢) .
[ (٢) ] فى الأصل: «فانفرج عنه» .
[ (٣) ] الزيادة من ابن إسحاق للتوضيح. (السيرة النبوية، ج ٤، ص ٥٨) .