مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ جَحْدَمُ: يَا بَنِي جَذِيمَةَ، إنّهُ وَاَللهِ خَالِدٌ! وَمَا يَطْلُبُ مُحَمّدٌ مِنْ أَحَدٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُقِرّ بِالْإِسْلَامِ، وَنَحْنُ مُقِرّونَ بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ خَالِدٌ لَا يُرِيدُ بِنَا مَا يُرَادُ بِالْمُسْلِمِينَ، وَإِنّهُ مَا يَقْدِرُ مَعَ السّلَاحِ إلّا الْإِسَارَ، ثُمّ بَعْدَ الْإِسَارِ السّيْفُ! قَالُوا: نذكِّرك اللهَ، تَسُومَنَا. فَأَبَى يُلْقِي [ (١) ] سَيْفَهُ حَتّى كلَّموه جَمِيعًا فَأَلْقَى سَيْفَهُ وَقَالُوا: إنّا مُسْلِمُونَ وَالنّاسُ قَدْ أَسْلَمُوا، وَفَتَحَ مُحَمّدٌ مَكّةَ، فَمَا نَخَافُ مِنْ خَالِدٍ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاَللهِ لَيَأْخُذَنكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْأَحْقَادِ الْقَدِيمَةِ. فَوَضَعَ الْقَوْمُ السّلَاحَ، ثُمّ قَالَ لَهُمْ خَالِدٌ: اسْتَأْسِرُوا! فَقَالَ جَحْدَمٌ: يَا قَوْمُ، مَا يُرِيدُ مِنْ قَوْمٍ مُسْلِمِينَ يَسْتَأْسِرُونَ! إنّمَا يُرِيدُ مَا يُرِيدُ، فَقَدْ خَالَفْتُمُونِي وَعَصَيْتُمْ أَمْرِي، وَهُوَ وَاَللهِ السّيْفُ. فَاسْتَأْسَرَ الْقَوْمُ، فَأُمِرَ بَعْضُهُمْ يَكْتِفُ بَعْضًا، فَلَمّا كُتِفُوا دَفَعَ إلَى كُلّ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الرّجُلَ وَالرّجُلَيْنِ، وَبَاتُوا فِي وَثَاقٍ، فَكَانُوا إذَا جَاءَ وَقْتُ الصّلَاةِ يُكَلّمُونَ الْمُسْلِمِينَ فَيُصَلّونَ ثُمّ يَرْبِطُونَ. فَلَمّا كَانَ فِي السّحَرِ، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا نُرِيدُ بِأَسْرِهِمْ، نَذْهَبُ بِهِمْ إلَى النّبِيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم. وَقَائِلٌ يَقُولُ: نَنْظُرُ هَلْ يَسْمَعُونَ أَوْ يُطِيعُونَ، وَنَبْلُوهُمْ وَنُخْبِرُهُمْ.
وَالنّاسُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، فَلَمّا كَانَ فِي السَّحر نَادَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ:
مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيرٌ فليذافِّه- والمذافَّة: الْإِجْهَازُ عَلَيْهِ بِالسّيْفِ. فَأَمّا بَنُو سُلَيْمٍ فَقَتَلُوا كُلّ مَنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَأَمّا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَأَرْسَلُوا أُسَارَاهُمْ.
قَالَ: فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَكَانَ فِي يَدِي أَسِيرٌ، فَأَرْسَلْته وَقُلْت: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت! وَكَانَ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أُسَارَى فأرسلوهم.
[ (١) ] فى الأصل: «فأبى ملقى» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute