للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَدَاعِيًا إلَى اللهِ، وَلَقَدْ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ، فَلَمّا حَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ أَعْطَاهُ نَاصِيَتَهُ، فَكَانَتْ فِي مُقَدّمِ قَلَنْسُوَتِهِ، فَكَانَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلّا هَزَمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَلَقَدْ قَاتَلَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَوَقَعَتْ قَلَنْسُوَتُهُ. فَجَعَلَ يَقُولُ: الْقَلَنْسُوَةُ! الْقَلَنْسُوَةُ! فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، عَجَبًا لِطَلَبِك الْقَلَنْسُوَةَ وَأَنْتَ فِي حَوْمَةِ الْقِتَالِ! فَقَالَ:

إنّ فِيهَا نَاصِيَةَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَلْقَ بِهَا أَحَدًا إلّا وَلّى. وَلَقَدْ تُوُفّيَ خَالِدٌ يَوْمَ تُوُفّيَ، وَهُوَ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَقَبْرُهُ بِحِمْصٍ، فَأَخْبَرَنِي مَنْ غَسّلَهُ وَحَضَرَ مَوْتَهُ، وَنَظَرَ إلَى مَا تَحْتَ ثِيَابِهِ، مَا فِيهِ مَصَحّ، مَا بَيْنَ ضَرْبَةِ بسيف أَوْ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةٍ بِسَهْمٍ. وَلَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ الّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لَيْسَ بِذَلِكَ، ثُمّ يَذْكُرُهُ بَعْدُ فَيَتَرَحّمُ عَلَيْهِ وَيَتَنَدّمُ عَلَى مَا كَانَ صَنَعَ فِي أَمْرِهِ، وَيَقُولُ: سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ تَعَالَى!

وَلَقَدْ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَبَطَ مِنْ لَفْتٍ [ (١) ] فِي حَجّتِهِ، وَمَعَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ الرّجُلُ: فُلَانٌ. قَالَ: بِئْسَ عَبْدُ اللهِ فُلَانٌ! ثُمّ طَلَعَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ الرّجُلُ؟ فَقَالَ: فُلَانٌ. فَقَالَ: بِئْسَ عَبْدُ اللهِ فُلَانٌ! ثُمّ طَلَعَ خَالِدُ بْنُ الوليد فقال: من هذا؟ قال: خالد ابن الْوَلِيدِ. قَالَ: نِعْمَ عَبْدُ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ!

وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ مبيَّض قَالَ: سَمِعْت خَالِدَ بْنَ إلْيَاسَ يَقُولُ: بَلَغْنَا أَنّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا.


[ (١) ] فى الأصل: «حين هبطا من لقب» . ولفت: ثنية بين مكة والمدينة (معجم البلدان، ج ٧، ص ٣٣٣) .