للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ تَقَطّعُوا مِنْ وَرَائِك! فَنَزَلَ فَصَلّى الْعَصْرَ، وَأَوَى إلَيْهِ النّاسَ فَأَمَرَهُمْ فَنَزَلُوا، وَجَاءَهُ فَارِسٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي انْطَلَقْت [مِنْ] بَيْنِ أَيْدِيكُمْ عَلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا بِهَوَازِنَ عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهَا [ (١) ] بِظُعُنِهَا وَنِسَائِهَا وَنَعَمِهَا فِي وَادِي حُنَيْنٍ. فَتَبَسّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:

تِلْكَ غَنِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ غَدًا إنْ شَاءَ اللهُ! ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

أَلَا فَارِسٌ يَحْرُسُنَا اللّيْلَةَ؟ إذْ أَقْبَلَ أُنَيْسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ عَلَى فَرَسِهِ، فَقَالَ: أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: انْطَلِقْ حَتّى تَقِفَ عَلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَلَا تَنْزِلَن إلّا مُصَلّيًا أَوْ قَاضِي حَاجَةٍ، وَلَا تَغُرّن مَنْ خَلْفَك! قَالَ: وَبِتْنَا حَتّى أَضَاءَ الْفَجْرُ، وَحَضَرْنَا الصّلَاةَ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَأَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ اللّيْلَةَ؟ قُلْنَا: لَا وَاَللهِ! فَأُقِيمَتْ الصّلَاةُ فَصَلّى بِنَا، فَلَمّا سَلّمَ رَأَيْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ خِلَالَ الشّجَرِ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا، قَدْ جَاءَ فَارِسُكُمْ! وَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي وَقَفْت عَلَى الْجَبَلِ كَمَا أَمَرْتنِي، فَلَمْ أَنْزِلْ عَنْ فَرَسِي إلّا مُصَلّيًا أَوْ قَاضِيَ حَاجَةٍ حَتّى أَصْبَحْت، فَلَمْ أُحِسّ أَحَدًا. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ فَانْزِلْ عَنْ فَرَسِك، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا. فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا أَلّا يَعْمَلَ بَعْدَ هَذَا عَمَلًا؟

قَالُوا، وَخَرَجَ رِجَالٌ مِنْ مَكّةَ مَعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [ (٢) ]- عَلَى غَيْرِ دِينٍ- ركبانا ومشاة، ينظرون لمن تكون


[ (١) ] على بكرة أبيها، هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفر العدد وأنهم جاءوا جميعا لم يتخلف منهم أحد. وليس هناك بكرة فى الحقيقة، وهي التي يستقى عليها الماء، فاستعيرت فى هذا الموضع (النهاية، ج ١، ص ٩١) .
[ (٢) ] فى الأصل: «فلم يتغادر منهم أحدا» .