للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فَجَعَلَتْ تُسِلّهُ [ (١) ] وَتَصِيحُ بِالْأَنْصَارِ: أَيّةُ عَادَةٍ هَذِهِ [ (٢) ] ! مَا لَكُمْ وَلِلْفِرَارِ! قَالَتْ: وَأَنْظُرُ إلَى رَجُلٍ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ، مَعَهُ لِوَاءٌ، يُوضِعُ جَمَلَهُ فِي أَثَرِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَعْتَرِضُ لَهُ فَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ الْجَمَلِ، وَكَانَ جَمَلًا مُشْرِفًا [ (٣) ] ، فَوَقَعَ عَلَى عَجُزِهِ، وَأَشُدّ عَلَيْهِ، فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ حَتّى أَثْبَتّه، وَأَخَذْت سَيْفًا لَهُ وَتَرَكْت الْجَمَلَ يُخَرْخِرُ، يَتَصَفّقُ [ (٤) ] ظَهْرًا لِبَطْنٍ،

وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ مُصْلِتٌ السّيْفَ بِيَدِهِ، قَدْ طَرَحَ غِمْدَهُ، يُنَادِي:

يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ!

قَالَ: وَكَرّ الْمُسْلِمُونَ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا بنى عبد الرحمن! با بَنِي عُبَيْدِ اللهِ! يَا خَيْلَ اللهِ! وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سَمّى خَيْلَهُ خَيْلَ اللهِ، وَجَعَلَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ بَنِي عَبْدِ الرّحْمَنِ، وَجَعَلَ شِعَارَ الْأَوْسِ بَنِي عُبَيْدِ اللهِ. فَكَرّتْ الْأَنْصَارُ، وَوَقَفَتْ هَوَازِنُ حَلْبَ ناقة فتوح [ (٥) ] ، ثم كانت إيّاها، فو الله مَا رَأَيْت هَزِيمَةً كَانَتْ مِثْلَهَا، ذَهَبُوا فِي كُلّ وَجْهٍ، فَرَجَعَ ابْنَايَ إلَيّ- حَبِيبٌ وَعَبْدُ الله ابناي زَيْدٍ- بِأُسَارَى مُكَتّفِينَ، فَأَقُومُ إلَيْهِمْ مِنْ الْغَيْظِ، فَأَضْرِبُ عُنُقَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَجَعَلَ النّاسُ يَأْتُونَ بِالْأُسَارَى، فَرَأَيْت فِي بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ثَلَاثِينَ أَسِيرًا. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ بَلَغَ أَقْصَى هَزِيمَتِهِمْ مَكّةَ، ثُمّ كَرّوا بَعْدُ وَتَرَاجَعُوا، فَأَسْهَمَ لَهُمْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا.

فَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ: إنّ أُمّ سُلَيْمٍ، أُمّي ابْنَةَ مِلْحَانَ جَعَلَتْ تَقُولُ:

يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْت هَؤُلَاءِ الّذِينَ أَسْلَمُوك وَفَرّوا عنك وخذلوك! لا تعف


[ (١) ] فى الأصل: «تسبه» .
[ (٢) ] فى الأصل: «أنت عاده هذه» .
[ (٣) ] جمل مشرف: أى عال. (الصحاح، ص ١٣٨٥) .
[ (٤) ] تصفق: أى انقلب. (لسان العرب، ج ١٢، ص ٧١) .
[ (٥) ] الفتوح من النوق: الواسعة الإحليل. (الصحاح، ص ٣٨٩) .