بَعْدُ، فَرَدّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَلَاءَهُ، وَمَرْزُوقٌ غُلَامٌ لِعُثْمَانَ، لَا عَقِبَ لَهُ. كُلّ هَؤُلَاءِ أَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَمُونُهُ [ (١) ] وَيَحْمِلُهُ، فَكَانَ أَبُو بَكَرَةَ إلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وكان الأزرق إلى خالد ابن سَعِيدٍ، وَكَانَ وَرْدَانُ إلَى أَبَانَ بْنِ سَعِيدٍ، وكان يحنّس النّبّال إلى عثمان ابن عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ يَسَارُ بْنُ مالك إلى سعد بن عبادة، وإبراهيم ابن جَابِرٍ إلَى أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ، وَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْرِئُوهُمْ الْقُرْآنَ وَيُعَلّمُوهُمْ السّنَنَ.
فَلَمّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ تَكَلّمَتْ أَشْرَافُهُمْ فِي هَؤُلَاءِ الْمُعْتَقِينَ، فِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةَ، يَرُدّوهُمْ فِي الرّقّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللهِ، لَا سَبِيلَ إلَيْهِمْ!
وَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الطّائِفِ مَشَقّةً شَدِيدَةً، وَاغْتَاظُوا عَلَى غِلْمَانِهِمْ.
قَالُوا: وَقَالَ عُيَيْنَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اِيذَنْ لِي حَتّى آتِيَ حِصْنَ الطّائِفِ فَأُكَلّمَهُمْ. فَأَذِنَ لَهُ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: أَدْنُو مِنْكُمْ وَأَنَا آمِنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
وَعَرَفَهُ أَبُو مِحْجَنٍ فَقَالَ: اُدْنُ. فَدَنَا. فقال: ادخل. فدخل عليهم الحصن، فقال: فداءكم أَبِي وَأُمّي! وَاَللهِ لَقَدْ سَرّنِي مَا رَأَيْت مِنْكُمْ، وَاَللهِ لَوْ أَنّ فِي الْعَرَبِ أَحَدًا غَيْرَكُمْ! وَاَللهِ مَا لَاقَى مُحَمّدٌ مِثْلَكُمْ قَطّ، وَلَقَدْ مَلّ الْمُقَامَ، فَاثْبُتُوا فِي حِصْنِكُمْ، فَإِنّ حِصْنَكُمْ حَصِينٌ، وَسِلَاحَكُمْ كَثِيرٌ، وَمَاءَكُمْ وَاتِنٌ، لَا تَخَافُونَ قَطْعَهُ! قَالَ: فَلَمّا خَرَجَ قَالَتْ ثَقِيفٌ لِأَبِي مِحْجَنٍ: فَإِنّا كَرِهْنَا دُخُولَهُ، وَخَشِينَا أَنْ يُخْبِرَ مُحَمّدًا بِخَلَلٍ إنْ رَآهُ فِينَا أَوْ فِي حِصْنِنَا. قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ: أَنَا كُنْت أَعْرَفَ لَهُ، لَيْسَ مِنّا أَحَدٌ أَشَدّ عَلَى مُحَمّدٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ. فَلَمّا رَجَعَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: مَا قُلْت لَهُمْ؟ قَالَ: قُلْت اُدْخُلُوا
[ (١) ] يمونه: يحتمل مؤونته ويقوم بكفايته. (الصحاح، ص ٢٢٠٩) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute