للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النّاسِ بِالرّحِيلِ! قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلَى.

فَأَذّنَ عُمَرُ بِالرّحِيلِ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَتَكَلّمُونَ، يَمْشِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، فَقَالُوا:

نَنْصَرِفُ وَلَا نَفْتَحُ الطّائِفَ! لَا نَبْرَحُ حَتّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْنَا، وَاَللهِ إنّهُمْ لَأَذَلّ وَأَقَلّ مَنْ لَاقَيْنَا، قَدْ لَقِينَا جَمْعَ مَكّةَ وَجَمْعَ هَوَازِنَ، فَفَرّقَ اللهُ تِلْكَ الْجَمُوعَ! وَإِنّمَا هَؤُلَاءِ ثَعْلَبٌ فِي جُحْرٍ، لَوْ حَصَرْنَاهُمْ لَمَاتُوا فِي حِصْنِهِمْ هَذَا! وَكَثُرَ الْقَوْلُ بَيْنَهُمْ وَالِاخْتِلَافُ، فَمَشَوْا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَتَكَلّمُوا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَالْأَمْرُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْ السّمَاءِ. فَكَلّمُوا عُمَرَ فَأَبَى وَقَالَ: قَدْ رَأَيْنَا الْحُدَيْبِيَةَ، وَدَخَلَنِي فِي الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الشّكّ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلّا اللهُ، وَرَاجَعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِكَلَامٍ لَيْتَ أَنّي لَمْ أَفْعَلْ، وَأَنّ أَهْلِي وَمَالِي ذَهَبَا! ثُمّ كَانَتْ الْخِيَرَةُ لَنَا مِنْ اللهِ فِيمَا صَنَعَ، فَلَمْ يَكُنْ فَتْحٌ كَانَ خَيْرًا لِلنّاسِ مِنْ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ- بِلَا سَيْفٍ، دَخَلَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِثْلُ مَنْ كَانَ دَخَلَ- مِنْ يَوْمِ بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِ كُتِبَ الْكِتَابُ. فَاتّهِمُوا الرّأْيَ، وَالْخِيَرَةُ فِيمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَنْ أُرَاجِعَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَبَدًا! وَالْأَمْرُ أَمْرُ اللهِ، وَهُوَ يُوحِي إلَى نَبِيّهِ مَا يَشَاءُ! وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: إنّي رَأَيْت أَنّي أُهْدِيَتْ لِي قَعْبَةٌ [ (١) ] مَمْلُوءَةٌ زُبْدًا، فَنَقَرَهَا دِيكٌ فَأُهْرَاقَ مَا فِيهَا.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا أَظُنّ أَنْ تُدْرِكَ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ يَوْمَك هَذَا مَا تُرِيدُ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا لَا أَرَى ذَلِكَ.

قَالَ: حَدّثَنِي كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمّا مَضَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْ حصارهم استشار


[ (١) ] القعبة: القدح. (شرح أبى ذر، ص ٤٠٩) .