للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاك، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاك [ (١) ] ! وَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي شَيْءٍ مِنْ الدّنْيَا تَأَلّفْت بِهِ قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ، أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النّاسُ بِالشّاءِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللهِ إلَى رِحَالِكُمْ؟ وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْت شِعْبَ الْأَنْصَارِ. أَكْتُبُ لَكُمْ بِالْبَحْرَيْنِ كِتَابًا مِنْ بَعْدِي تَكُونُ [ (٢) ] لَكُمْ خَاصّةً دُونَ النّاسِ! فَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَنْصَارِ.

قَالُوا: وَمَا حَاجَتُنَا بِالدّنْيَا بَعْدَك يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إمّا لَا فَسَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتّى تَلْقَوْا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنّ مَوْعِدَكُمْ الْحَوْضُ، وَهُوَ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَعُمَانَ، وَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النّجُومِ. اللهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ! قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللهِ حَظّا وَقَسْمًا. وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرّقُوا.

وَانْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَقَامَ بِالْجِعِرّانَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، فَلَمّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ مِنْ الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لَيْلًا، فَأَحْرَمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الّذِي تَحْتَ [ (٣) ] الْوَادِي


[ (١) ] آسيناك: أى أعطيناك حتى جعلناك كأحدنا. (شرح أبى ذر، ص ٤١٥) .
[ (٢) ] فى الأصل: «يكون» .
[ (٣) ] فى الأصل: «إلى بحير؟ الوادي» . والمثبت من القسطلاني يروى عن الواقدي.
(شرح على المواهب اللدنية، ج ٣، ص ٤٨) .