لا، بدليل أن أبا حاتم رده، قال: مرسل، فما تلقاه أهل العلم بالقبول، فهل المراد من كلام شيخ الإسلام "التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول" الأول وإلا الثاني؟ يعني أنه انطبقت فيه الشروط، ومن في نقده انطبقت فيه الشروط, الذي في نقده؛ لأن كل عالم ملزم بما يؤديه إليه اجتهاده، فأنت إذا نظرت في حديث تجد الإمام أحمد صححه؛ بناءً على أن شروط القبول توافرت عنده، وتجد أبا حاتم قد ضعفه بناءً على أن شروط القبول لم تتوافر عنده أو العكس.
هذا الحديث نستطيع أن نقول تلقاه أهل العلم بالقبول؟ لا، لكن تلقوه بالقبول باعتبار توافر الشروط فيه عند من يثبت عنده، فمن يثبت عنده يتلقاه بالقبول؛ لأن شروط القبول توافرت فيه، ثم بعد ذلك من يأتي بعدهم ممن لديه أهلية النظر إن ترجح عنده قول الإمام أحمد؛ لأنه لديه أهلية يستطيع أن يوازن بين الأقوال، إن ترجح عنده قول الإمام أحمد لزمه العمل به، وإثبات ما يتضمنه من حكم شرعي، إن ترجح عنده قول أبي حاتم مثلاً لا يلزمه العمل به؛ لأنه مرسل، والمرسل من قسم الضعيف.
فالتلقي بالقبول هنا لا يراد به تلقي الجميع، ولذا الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول -عند ابن الصلاح، وجمع من أهل العلم- تفيد القطع، ولو كانت في أصلها ظنية آحاد، لكنها لتلقي الأمة لها بالقبول أفادها القطع.
وابن حجر يقول: وتلقي الأمة للخبر بالقبول أعظم من تعدد الأسانيد وكثرتها؛ لأن الخبر إذا تلقي بين أهل العلم بالقبول، وما زال يعمل به العلماء، ويتلقونه ويتلقوه عنهم أتباعهم هذا يكفي، ولذلك تلقوا بعض الأحاديث التي لو أجريت عليها موازينُ النقد عند أهل العلم قد لا تثبت ((لا وصية لوارث)) لو بحثنا في أسانيده لوجدناه أقل من درجة القبول، لكن مع ذلك تلقي الأمة لهذا الحديث بالقبول ملزم, وابن حجر يقول: أن مجرد تلقي الأمة للخبر بالقبول أعظم من كثرة الأسانيد وتعددها وتباينها.
فننتبه لكلام الشيخ؛ لأنه الذي يفهمه على الوجه الآخر يترتب عليه نفي لكثير من الصفات، فمثلاً الحديث الذي قال عنه شيخ الإسلام أنه حديثٌ حسن ((عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غيَره)) هذا الأكثر على تضعيفه، فهل يكون مما تلقي بالقبول؟