لا يقتضي ذلك، لا يقتضي المخالطة ولا الممازجة، و"مع" تأتي بالمخالطة وتأتي بما لا يقتضي المخالطة ولا الممازجة، فإذا قلت: سرنا والقمر معنا، لا يقتضي هذا أن القمر مخالطٌ ممازج، وإذا قلت: شربت اللبن معه الماء اقتضى ذلك أن يكون اللبن مختلطاً بالماء، أو تقول: أكلت التمر ومعه السمن صار مخلوطاً, السمن بالتمر وهكذا. فـ"مع" تأتي بلغة العرب بمعنى المخالطة والممازجة، وتأتي أيضاً مع عدم اقتضاء المخالطة والممازجة, وشيخ الإسلام يرى أنها المعية حقيقية لكنها لا تقتضي مخالطة ولا ممازجة.
[الله معنا حقيقة ومع ذلك هو على العرش:]
فالله -جل وعلا- مع خلقه حقيقة لا مجازاً، ومع ذلكم هو على عرشه بائنٌ من خلقه، وإذا كان شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقرر في صفة النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، إذا كان يقرر أنه ينزل في آخر كل ليلة، في الثلث الأخير من كل ليلة إلى السماء الدنيا، ولا يخلو منه العرش.
فإذا سلمنا مثل هذا التسليم فإننا لا نلتزم باللوازم الباطلة التي التزمها المبتدعة وقالوا بها, فمنهم من نفى العلو ونفى الاستواء؛ لأن الله معنا، فكيف يكون عالياً؟ وكيف يكون مستوياً؟! وهذا تقدم، وهذا لا شك أنه تعطيل لنصوص كثيرة, ومنهم من نفى المعية نفياً مطلقاً، عملاً ببعض النصوص، وأنها تقتضي ما تقتضيه من اللوازم الباطلة, ومنهم من التزم باللوازم الباطلة، ومع ذلك أهل السنة يثبتون الاستواء، ويثبتون العلو، ويثبتون النزول، ويثبتون المعية على ما يليق بجلال الله وعظمته، وعلى هذا المرجح في هذا قول جمهور السلف، وأننا إذا أول السلف تبعناهم -ولا يمكن أن يؤولوا مثل هذا التأويل إلا وقد وقفوا فيه مع نصٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- المبلغ عن الله -جل وعلا- ما نزل عليه- فنحن ملزمون بفهم السلف، لا سيما في هذا الباب الذي لا تدركه العقول، فالسلف أعرف وأعلم، ومذهبهم أحكم وأسلم؛ لأنهم عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- وعايشوه وعايشوا التنزيل، فعرفوا ملابسات القضايا، وما احتف بها، فهم أعلم من غيرهم، لا سيما وقد زكاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وشهد لهم بالخيرية.