فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن أثبت وذكر الشيخ -رحمه الله تعالى- ما جاء عن الله في صفة الاستواء والعلو، ذكر -رحمه الله تعالى- أن الله -جل وعلا- مع كونه مستوياً على عرشه بائناً من خلقه فوق سماواته، له صفة العلو المطلق بأنواعه، علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر، أثبت مع ذلك أن الله -جل وعلا- مع خلقه، معهم معية عامة ومعية خاصة، معهم بعلمه، وسمعه وبصره، ومعهم بحفظه ونصره وتأييده؛ لأن العلو قد يفهم منه أنه يخفى عليه شيء ما دام عالياً عنهم بائناً منهم، بينه وبينهم هذه السماوات، أنه قد يخفى عليه شيء من أمرهم، فأردف ذلك بما يدل على معيته لهم، وأنه لا تخفى عليه منهم خافية، وأنه -جل وعلا- معهم بعلمه وإحاطته بنصره وتأييده، وأن المعية ثابتة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وليست كمعية المخلوق.
[معنى المعية العامة:]
وهذه الصفة -أعني صفة المعية- جاء عن جمهور السلف بالنسبة للمعية العامة، المعية العامة جاء عن كثير من السلف أنها بمعنى العلم {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [(٤) سورة الحديد] يعني بعلمه؛ لئلا يُظن أنه معهم -جل وعلا- بذاته فيقتضي ذلك الحلول، وأنه حالٌ بكل مكان؛ لأنهم منتشرون في كل كان، فما دام هو معهم وهم منتشرون في كل مكان قد يخطر على بال بعض الناس وقد خطر، وقد قالوا به أن الله -جل وعلا- معهم بذاته في كل مكان؛ لما يقتضيه لفظ "مع", فضل طائفة من الناس فظنوا أنه معهم {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} وهم منتشرون في الأماكن كلها، ويدخلون الأماكن الشريفة، وغير الشريفة من الأماكن القذرة، فلم ينزهوا الله -جل وعلا- عن حلول هذه الأماكن.
والقول بالحلول والاتحاد قولٌ معروف عند فئة وفرقة ضالة، هم جماعة من المتصوفة قادهم الضلال إلى أن وصلوا أن الله -جل وعلا- حالٌ في كل شيء، وأنه -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- موجود في كل مكان وحالٌ فيه.