قد يقول قائل: في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((رب مبَلغٍ أوعى سامع)) أنه قد يأتي من يفهم النصوص ممن تأخر زمنه أفضل من فهم وأوعى من فهم من تقدم زمنه، هذا الكلام يُسلَّم أو ما يُسلَّّم؟
((ربَ مبَلغٍ أوعى من سامع)) لكن قد يسلم شيء من هذا إذا كان مرد ذلك إلى الفهم، وما يدخله الفهم، أما هذا الباب، باب الغيبيات لا يدخله الفهم، فلا بد من اتباع السلف في هذا، هذا لا يدخله الفهم، قد يقول قائل: إن السلف مثلاً -في مسألة يدخلها الفهم من الأحكام العملية مثلاً- قد يقول قائل: أن السلف فهموا من هذه الآية فهماً، وهي تدل على حكم شرعي، ثم جاء بعدهم من فهم غير هذا الفهم؟
نقول إذا اختلف السلف في شيء، وصار لهم أقوال، إذا اتفقوا على شيء لا يجوز مخالفتهم إطلاقاً، لا فيما يدخله الفهم ولا ما لا يدخله الفهم إذا اتفقوا، ولا يجوز إحداث قولٍ جديد لم يقل به السلف، حتى قال أهل العلم: أن السلف إذا اختلفوا على قولين أو ثلاثة، لا يجوز إحداث قول ثالث أو رابع؛ لأنه خروجٌ عما اتفق عليه السلف في الجملة.
إذاً كيف نفهم حديث:((رب مبلغٍ أوعى من سامع))؟:
قد يكون هذا السامع فهم من هذا النص شيئاً، ثم بلغ هذا النص شخصاً آخر فهم منه غير هذا الفهم، وهو أفضل من فهم من تقدم، لكن موافق لفهم بعض من تقدم، قد يكون فهم الثاني يخالف فهم الأول للنص مع الاتحاد في الحكم، كلاهما يتفقان على الحكم, لكن مأخذ الحكم من هذا النص يختلف فيه هذا عن هذا، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، يعني يأتي المتأخر ويذكر حديثاً يستدل به استدل به من قبله من الأئمة، ثم يبدي وجه استدلال أوضح مما أبداه مَن قبله، هذا موجود وإلا غير موجود؟ موجود، يعني لو نظرنا في المجموع للنووي، أو في المغني لابن قدامة، تجدهم يستدلون بأدلة استدل بها الأئمة، لكن يبدون وجه استدلال قد لا يبديه من تقدم قبلهم، لكنهم مع ذلك لم يختلفوا في الحكم مع الأئمة، ولذا بعضهم يقول: أنه ((رب مبلغٍ أوعى من سامع)) أن المتأخر يفهم من النص حكم يختلف عما فهمه المتقدم.