قد يقول قائل: إذا كان السلف أو جمهور السلف أولوا المعية بالعلم، تقول هذا تأويل وإلا ليس بتأويل؟ نعم تأويل، قد يتذرع بهذا من يقول ما داموا أولوا المعية بالعلم، لماذا لا نؤل الرحمة بالثواب، والغضب بالانتقام، وما أشبه ذلك، ما دام التأويل سائغ لماذا لا يطلق؟
[الرد على الشبهة:]
نقول: نحن ملزمون بنصوص؛ لأن هذا الباب، أعني ما يتعلق بالله -جل وعلا- وما لا يدركه العقل من الإيمان بالغيب نحن ملزمون بنصوص بما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- ولذا نقف عند هذه النصوص، فالسلف وقفوا عند هذه النصوص، الرحمة أثبتوها، ولم يؤولوها بلازمها، الغضب والمقت أثبتوهما، ولم يؤولوا ذلك بلازمهما، لكن جاء عنهم ونحن ملزمون بفهمهم، جاء عنهم تأويل المعية بالعلم، فنحن -أعني أهل السنة والجماعة- أهل اتباع، ولسنا بأهل ابتداع، فما دام السلف أولوا المعية بالعلم يسوغ لنا ذلك.
وعلى هذا فكل ما اتفق عليه السلف نحن ملزمون به، وبالقول به لا يجوز لنا أن نحدث رأياً جديداً غير ما اتفقوا عليه، وإذا اختلفوا، إذا اختلفوا في إثبات صفة أو نفيها فإن كانت الأقوال متعادلة فالذي لديه آلية النظر والاجتهاد له أن يختار من أقوالهم ما يشاء، حسب ما يترجح عنده، لا على حسب تشهيه ورأيه، إنما حسب ما يترجح عنده بالدليل.
وجمهور السلف أولوا المعية بالعلم، ومنهم من وقف، وجعل المعية كغيرها من الصفات، وأنها معية حقيقية تثبت لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وبهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وأنه كونه معهم لا يقتضي ذلك الامتزاج، ولا الاختلاط، فهو معهم وهو على عرشه، فهو -جل وعلا- مع خلقه {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [(٤) سورة الحديد] وهو على عرشه بائنٌ من خلقه، هذا ما يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ويقول إذا تصور هذا في المخلوق فلأن يتصور في الخالق الذي لا تدركه الأفهام ولا تبلغه الأوهام من باب أولى, فإذا قال القائل: سرنا والقمر معنا، هل يعني هذا ممتزجٌ بهم مخالطٌ لهم؟!