المحصنات الأصل فيه أنه عام في عائشة وفي غيرها، في أمهات المؤمنين وفي غيرهن، فمن قذف المحصنة استحق هذا الوعيد الشديد –نسأل الله السلامة والعافية– إلا إذا أقيم عليه الحد، وسقط بذلك حق المخلوق، وتاب إلى الله -جل وعلا- فالله يقبل التوبة، والتوبة تهدم ما كان قبلها.
الثانية:{إلُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [(٢٣) سورة النور] قال العلماء: إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة: الإبعاد وضرب الحد واستيحاش المؤمنين منهم، وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين ..
جاء لعن بعض العصاة، لعن الله السارق، فالعنوهن، يعني المتبرجات، وقذف المحصنات ليس بأسهل من هذا، فهو مستحق للعن -نسأل الله السلامة والعافية-.
وعلى قول من قال: هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبي وأشباهه ..
كل هذا لأنه يرى أن المسلم لا ينطبق عليه هذا الوعيد، ولا يستحق كل هذا الوعيد، لكن ما المانع أن يستحق؟ لأنه حُذر وأنذر من القذف، ورتب عليه حد في الدنيا، ولعن في الآخرة ما المانع؟ لأن القذف والرمي بالفاحشة أمر ليس بالسهل، هذا متحقق في القذفة، لكن إذا أقيم الحد هذا في مسألة ما إذا لم يقم الحد عليه ولم يتب منه، فإذا أقيم عليه حد سقط حق المخلوق، والحدود كفارات، وإذا تاب تاب الله عليه، والتوبة تهدم ما كان قبلها إذا كانت بشروطها.
وعلى قول من قال: نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون، ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ومن أسلم فالإسلام يجبّ ما قبله، وقال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية أنه عام لجميع الناس القذفة من ذكرٍ وأنثى، ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات، فدخل في هذا المذكر والمؤنث، وكذا في الذين يُرمون، إلا أنه غلب المذكر على المؤنث.
ولذلك قال:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ} ما قال: إن الذين يرمين، فجانب الرمي القاذف غلب المذكر، وفي جانب المقذوف غلب المؤنث، وإلا فالحكم يعمّ هذا وهذا، في الجزئين.