للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسير القرطبي (سورة النور)

تفسير الآيات من (٤١ إلى ٥٥)

الشيخ/عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [(٤١ - ٤٢) سورة النور].

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} لما ذكر وضوح الآيات زاد في الحجة والبينات، وبين أن مصنوعاته تدل بتغييرها على أن لها صانعاً قادراً على الكمال، فله بعثة الرسل، وقد بعثهم وأيدهم بالمعجزات، وأخبروا بالجنة والنار والخطاب في {أَلَمْ تَرَ} للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعناه: ألم تعلم، والمراد الكل {أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ} من الملائكة {وَالْأَرْضِ} من الجن والإنس، {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} قال مجاهد وغيره: الصلاة للإنسان، والتسبيح لما سواه من الخلق، وقال سفيان: للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود، وقيل: إن ضربها بأجنحتها صلاة، وإن أصواتها تسبيح، حكاه النقاش.

وقيل: التسبيح هاهنا ما يرى في المخلوق من أثر الصنعة، ومعنى {صَافَّاتٍ} مصطفات الأجنحة في الهواء، وقرأ الجماعة {والطيرُ} بالرفع عطفاً على {من}، وقال الزجاج: ويجوز {والطير} بمعنى مع الطير ..

فتكون الواو حينئذٍ للمعية، العطف والرفع على أنها عاطفة، والنصب على أنها واو المعية.

قال النحاس: وسمعته يخبر (قمت وزيداً) بمعنى مع زيد، قال: وهو أجود من الرفع ..

نعم إذا قلت: (قمتُ وزيداً) فالنصب أجود من الرفع؛ لأن الرفع في هذه الصورة ضعيف، العطف على ضمير الرفع المتصل دون فاصل ضعيف، فالمتجه في مثل هذه الصورة النصب، (والنصب مختار لدى ضعف النسق).

يعني إذا ضعف النسق فالنصب هو المختار والعكس.

قال: فإن قلت: (قمت أنا وزيد) كان الأجود الرفع، ويجوز النصب ..

<<  <  ج: ص:  >  >>