{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} [(٧٣) سورة النمل]، في تأخير العقوبة وإدرار الرزق، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} فضله ونعمه.
قوله تعالى:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} [(٧٤) سورة النمل]، أي تخفي صدورهم، {وَمَا يُعْلِنُونَ} يظهرون من الأمور، وقرأ ابن محيصن وحميد:{ما تَكنُّ} من كننت الشيء إذا سترته هنا، وفي "القصص" تقديره: ما تَكن صدورهم عليه ...
أي ما تنطوي عليه وما تخفيه.
وكأن الضمير الذي في الصدور كالجسم السائر، ومن قرأ:{تُكنُّ} فهو المعروف، يقال: أكننت الشيء إذا أخفيته في نفسك. قوله تعالى:{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [(٧٥) سورة النمل]، قال الحسن: الغائبة هنا القيامة، وقيل: ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض، حكاه النقاش، وقال ابن شجرة: الغائبة هنا جميع ما أخفى الله تعالى عن خلقه وغيَّبه عنهم، وهذا عام، وإنما دخلت الهاء في "غائبة" إشارة إلى الجمع، أي: ما من خصلة غائبة عن الخلق إلا والله عالم بها قد أثبتها في أم الكتاب عنده، فكيف يخفى عليه ما يسر هؤلاء وما يعلنونه، وقيل: أي كل شيء هو مثبت في أم الكتاب.
العموم في الغائبة؛ لأنها نكرة في سياق النفي، وأكد هذا العموم بمن.
وقيل: أي كل شيء هو مثبت في أم الكتاب يخرجه للأجل المؤجل له، فالذي يستعجلونه من العذاب له أجل مضروب، لا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه، والكتاب اللوح المحفوظ، أثبت الله فيه ما أراد ليعلم بذلك من يشاء من ملائكته.
[من أسباب الاختلاف:]
قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [(٧٦) سورة النمل]، وذلك أنهم اختلفوا في كثير من الأشياء حتى لعن بعضهم بعضاً فنزلت.
والمعنى: إن هذا القرآن يبين لهم ما اختلفوا فيه لو أخذوا به، وذلك ما حرفوه من التوراة والإنجيل، وما سقط من كتبهم من الأحكام.