للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استبعاد لعذاب الله، وما أشبه الليلة بالبارحة، يوجد الآن على وجه الأرض من يستبعد وينكر العذاب، وحال كثيرٍ من المسلمين، وإن لم يقولوا بلسان المقال، بل ما اشتمل عليهم حالهم كأنها حال مكذب، والله المستعان.

قوله تعالى: {قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} [(٧٢) سورة النمل]، أي اقترب لكم ودنا منكم {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} أي: من العذاب ...

لأن الرديف قريبٌ من مرادفه، الرديف قريب من مرادفه، لصيق له، مجاورٌ له، فإذا ردفَ لهم بعض الذي يستعجلون قرب منهم، كان رديفاً لهم كان قريباً منهم.

أي من العذاب، قاله ابن عباس، وهو من ردفه إذا تبعه وجاء في أثره، وتكون اللام أدخلت؛ لأن المعنى اقترب لكم ودنا لكم، أو تكون متعلقة بالمصدر، وقيل: معناه معكم، وقال ابن شجرة: تبعكم، ومنه ردفُ المرأة؛ لأنه تبع لها من خلفها، ومنه قول أبي ذؤيب:

عاد السواد بياضاً في مفارقه ... لا مرحباً ببياض الشيب إذ ردفا

أوضح منه: الرديف على الدابة، الدابة يركب عليها الاثنان والثلاثة إذا كانت تطيق ذلك يجوز، وجاء في أحاديث عن أكثر من ثلاثين صحابياً، كل منهم يقول: "كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم-" وألف ابن منده في ذلك جزءاً فيمن ردف النبي -صلى الله عليه وسلم- فصاروا أكثر من ثلاثين، هذا أوضح من ردف المرأة؛ لأن الردف ملاصق، ويأتي مع لا يأتي بعد، أما الرديف الذي يركب خلف الراكب فهذا ليس بملاصق له.

قال الجوهري: وأردفه أمر لغة في ردفه، مثل تبعه وأتبعه بمعنى، قال خزيمة بن مالك بن نهد:

إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا

يعني فاطمة بنت يذكر بن عنزة أحد القارظيَن.

القارظين، القارظ بن عنزة، ذهب ولم يعد:

إذا ما القارظ العنزي آبا

معلقٌ عليه الأمور المستحيلة، ذهب لحاجات من الحاجات فلم يرجع.

وقال الفراء: {رَدِفَ لَكُم} دنا لكم، ولهذا قال: {لكم}. وقيل: ردفه وردف له بمعنى، فتزاد اللام للتوكيد، عن الفراء أيضاً:

يعني الأصل أنه متعدٍ بنفسه.

كما تقول: نقدته ونقدت له، وكلته ووزنته وكلت له ووزنت له، ونحو ذلك. {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} [(٧٢) سورة النمل]، من العذاب فكان ذلك يوم بدر، وقيل: عذاب القبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>