والأول كلام يصلح فيه الاستفهام، فأما من حذف الاستفهام من الثاني وأثبته في الأول فقرأ:{أئذا كنا تراباً وآباؤنا إننا} فحذفه من الثاني؛ لأن في الكلام دليلاً عليه بمعنى الإنكار.
قوله تعالى:{لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [(٦٨) سورة النمل]، تقدم في سورة "المؤمنون"، وكانت الأنبياء يقربون أمر البعث مبالغة في التحذير، وكل ما هو آت فقريب.
يقربون أمر الساعة التي هي مقدمة البعث، ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ومع ذلك مضى أكثر من (١٤٠٠) سنة ما قامت الساعة، كل ما آتٍ قريب. ويقربونها كي يستعد لها الناس.
قوله تعالى:{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [(٦٩) سورة النمل]، أي {قُلْ} لهؤلاء الكفار {سِيرُوا} في بلاد الشام والحجاز واليمن {فَانظُرُوا} أي بقلوبكم وبصائركم {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} المكذبين لرسلهم.
{سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} الأرض جنس، يشمل ما ذكر في بلاد الشام والحجاز واليمن، ويشمل غيرها من بلاد المشرق والمغرب، كلها فيها عبر وآيات، فهل من مدكر. سينظرون في الآفاق، وينظرون في الأرض على اختلاف ألوانها وأشكالها، ومناخها، وتضاريسها، ومع ذلك لا اعتبار ولا ادكار، وكثيرٌ من الناس يذهب إلى السياحة والفرجة والمتعة، ويرى من آيات الله ما يخلع القلوب، ومع ذلك كأن شيئاً لم يكن، ويزاول في سياحته هذه التي الأصل أن يستفيد منها ويعتبر، يزاول فيها ما حرمك الله -جل وعلا-. فالله المستعان.
{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [(٧٠) سورة النمل]، أي على كفار مكة إن لم يؤمنوا، {وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ} في حرج، {مِّمَّا يَمْكُرُونَ} نزلت في المستهزئين الذين اقتسموا عقاب مكة، وقد تقدم ذكرهم، وقرئ:{في ضِيق} بالكسر، وقد مضى في آخر "النحل".