والمشكاة: الكوة في الحائط غير النافذة، قاله ابن جبير وجمهور المفسرين، وهي أجمع للضوء، والمصباح فيها أكثر إنارة منه في غيرها، وأصلها الوعاء يجعل فيه الشيء، والمشكاة وعاء من أدم، كالدلو يبرد فيه الماء، وهو على وزن مفعلة كالمقراة والمصفاة، قال الشاعر:
كأن عينيه مشكاتان من حجرٍ ... قيضا اقتياضاً بأطراف المناقير
وقيل: المشكاة عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، وقال مجاهد: هي القنديل.
وقال:{فِي زُجَاجَةٍ} [(٣٥) سورة النور] لأنه جسم شفاف، والمصباح فيه أنور منه في غير الزجاج والمصباح: الفتيل بناره.
{كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [(٣٥) سورة النور] أي في الإنارة والضوء، وذلك يحتمل معنيين: إما أن يريد أنها بالمصباح كذلك، وإما أن يريد أنها في نفسها لصفائها وجودة جوهرها كذلك، وهذا التأويل أبلغ في التعاون على النور، قال الضحاك: الكوكب الدري هو الزهرة.
قوله تعالى:{يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ} أي من زيت شجرة فحذف المضاف، والمباركة المنماة، والزيتون من أعظم الثمار نماء، والرمان كذلك، والعيان يقتضي ذلك، وقول أبي طالب يرثي مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس:
ليت شعري مسافر بن أبي عمرو ... وليت يقولها المحزون
بورك الميت الغريب كما بورك ... نبع الرمان والزيتون
طالب: هذه اللفظة -يا شيخ- (والمعسان) قال في الحاشية: هكذا وردتها هذه الكلمة في بعض نسخ الأصل وفي بعضها والمعنيان يقتضي، ولعلها: والمعنى يقتضي.
والعيان يقتضي ذلك، يعني المشاهدة، الواقع يشهد بذلك.
وقيل: من بركتهما أن أغصانهما تورق من أسفلها إلى أعلاها، وقال ابن عباس: في الزيتونة منافع يسرج بالزيت، وهو إدام ودهان ودباغ، ووقود يوقد بحطبه وتفله، وليس فيه شيء إلا وفيه منفعة، حتى الرماد يغسل به الأبريسم، وهي أول شجرة نبتت في الدنيا، وأول شجرة نبتت بعد الطوفان، وتنبت في منازل الأنبياء، والأرض المقدسة، ودعا لها سبعون نبياً بالبركة، منهم إبراهيم ومنهم محمد -صلى الله عليهما وسلم- فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:((اللهم بارك في الزيت والزيتون)) قاله مرتين.