وقال: قال علماؤنا: هذه الآية دليل على خلافة الخلفاء الأربعة -رضي الله عنهم-، وأن الله استخلفهم، ورضي أمانتهم، وكانوا على الدين الذي ارتضى لهم؛ لأنهم لم يتقدمهم أحد في الفضيلة إلى يومنا هذا، فاستقر الأمر لهم، وقاموا بسياسة المسلمين، وذبوا عن حوزة الدين فنفذ الوعد فيهم، وإذا لم يكن هذا الوعد لهم نجز، وفيهم نفذ، وعليهم ورد، ففيمن يكون إذاً؟ وليس بعدهم مثلهم إلى يومنا هذا، ولا يكون فيما بعده -رضي الله عنهم-، وحكى هذا القول القشيري عن ابن عباس، واحتجوا بما رواه سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:((الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً)) قال سفينة: أمسك عليك خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشراً، وخلافة عثمان ثنتي عشرة سنة، وخلافة علي ستاً، وقال قوم: هذا وعد لجميع الأمة في ملك الأرض كلها تحت كلمة الإسلام، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: ((زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها)).
واختار هذا القول ابن عطية في تفسيره حيث قال: والصحيح في الآية أنها في استخلاف الجمهور، واستخلافهم هو أن يملكهم البلاد، ويجعلهم أهلها، كالذي جرى في الشام والعراق وخراسان والمغرب، قال ابن العربي: قلنا لهم هذا وعد عام في النبوة والخلافة، وإقامة الدعوة، وعموم الشريعة، فنفذ الوعد في كل أحد بقدره وعلى حاله، حتى في المفتين والقضاة والأئمة، وليس للخلافة محل تنفذ فيه الموعدة الكريمة إلا من تقدم من الخلفاء، ثم ذكر اعتراضاً وانفصالاً معناه: فإن قيل هذا الأمر لا يصح إلا في أبي بكر وحده، فأما عمر وعثمان فقتلا غيلة، وعلي قد نوزع في الخلافة، قلنا: ليس في ضمن الأمن السلامة من الموت بأي وجه كان، وأما علي فلم يكن نزاله في الحرب مذهباً للأمن، وليس من شرط الأمن رفع الحرب، إنما شرطه ملك الإنسان لنفسه باختياره، لا كما كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة ..