السابعة: قوله تعالى: {وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء} يريد العتمة، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل)) وفي رواية: ((فإنها في كتاب الله العشاء، وإنها تعتم بحلاب الإبل)) وفي البخاري عن أبي برزة: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤخر العشاء، وقال أنس: أخر النبي -صلى الله عليه وسلم- العشاء، وهذا يدل على العشاء الأولى، وفي الصحيح:(فصلاها) -يعني العصر- بين العشاءين المغرب والعشاء، وفي الموطأ وغيره:((ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً)).
فدل على أن النهي في الأحاديث السابقة للكراهة، والصارف ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((لو يعلمون ما في العتمة)) والمقصود بها العشاء، ولو كان النهي التحريم لما قاله -عليه الصلاة والسلام-.
وفي مسلم عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الصلوات نحواً من صلاتكم، وكان يؤخر العتمة بعد صلاتكم شيئاً، وكان يخف الصلاة، قال القاضي أبو بكر بن العربي: وهذه أخبار متعارضة لا يعلم منها الأول من الآخر بالتاريخ، ونهيه -عليه السلام- عن تسمية المغرب عشاء، وعن تسمية العشاء عتمة ثابت، فلا مرد له من أقوال الصحابة فضلاً عمن عداهم، وقد كان ابن عمر يقول: من قال: صلاة العتمة فقد أثم، وقال ابن القاسم قال مالك:{وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء} فالله سماها صلاة العشاء، فأحبَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تسمى بما سماها الله تعالى به، ويعلمها الإنسان أهله وولده، ولا يقال: عتمة إلا عند خطاب من لا يفهم.
من لا يفهم الاصطلاح الشرعي، الذي لا يفهم الاصطلاح الشرعي وإنما يفهم الاصطلاح العرفي الذي درجوا عليه وهكذا عوام المسلمين يخاطبون بأعرافهم وعاداتهم التي جروا عليها، فإذا درجوا على تسمية شيء لا يعدل بهم عنه إلا بعد إفهامهم الاصطلاح الشرعي.