في الآية التي معنا هذه {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}؟
المسألة لا تخلو من حالين: الأولى: أن يكون هناك عذر يمنع من البقاء، أو لا يكون هناك عذر، فإن كان هناك عذر فالاستئذان لا بد منه مع العذر، فنتصور اثنين كليهما معذورين في مثل هذا –كلاهما لديه عذر- واحد استأذن وواحد مشى بدون استئذان، الآية في حق من استأذن {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} لوجود عذر يمنعهم من مواصلة البقاء، هناك ليس فيه عذر وإنما فيه فرار عمّا أوجب الله عليهم، هناك ليس فيه عذر فيستأذن ويعتذر بعذر غير صحيح، فالذي يستأذن للتخلص مما أوجب الله عليه من جهادٍ ونحوه فمثل هذا تنطبق عليه الآية الأولى.
قلت: والصحيح الأول؛ لتناوله جميع الأقوال، واختار ابن العربي ما ذكره في نزول الآية عن مالك وابن إسحاق، وأن ذلك مخصوص في الحرب، قال: والذي يبين ذلك أمران:
أحدهما: قوله في الآية الأخرى {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا} [(٦٣) سورة النور] وذلك أن المنافقين كانوا يتلوذون ويخرجون عن الجماعة، ويتركون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمر الله جميعهم بألا يخرج أحد منهم؛ حتى يأذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبذلك يتبين إيمانه.
الطلاب في المدارس النظامية –في الكليات مثلاً– يحرص الطالب أنه يجلس إلى أن يؤخذ الحضور، ثم بعد ذلك يستغفل الشيخ ويتغافل ويخرج، أو يستأذن ولا عذر له، كل هذا لا يجوز؛ لأنه يأخذ في مقابل هذا أجرة محسوسة وأجرة معنوية؛ لأنه منتظم، وتعاقد مع الكلية على هذا الأمر، أنه منتظم والمنتظم عليه أن يحضر فلا يجوز له أن يخرج حتى يستأذن إذا كان له عذر، إذا كان له عذر يستأذن وإلا يبقى.