وذلك أنهم كان لهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجلس مشهور، وقد تقدم في (سبحان) ذكره ابن إسحاق في السيرة وغيره مضمنه: أن سادتهم عتبة بن ربيعة وغيره اجتمعوا معه فقالوا: يا محمد، إن كانت تحب الرياسة وليناك علينا، وإن كنت تحب المال جمعنا لك من أموالنا، فلما أبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك رجعوا في باب الاحتجاج معه فقالوا: ما بالك وأنت رسول الله تأكل الطعام، وتقف بالأسواق، فعيروه بأكل الطعام؛ لأنهم أرادوا أن يكون الرسول ملكاً، وعيروه بالمشي في الأسواق حين رأوا الأكاسرة والقياصرة والملوك الجبابرة يترفعون عن الأسواق، وكان -عليه السلام- يخالطهم في أسواقهم ويأمرهم وينهاهم، فقالوا: هذا يطلب أن يتملك علينا فما له يخالف سيرة الملوك، فأجابهم الله بقوله وأنزل على نبيه:{وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [(٢٠) سورة الفرقان] فلا تغتم ولا تحزن، فإنها شكاة ظاهر عنك عارها.
يعني زائل، زائل عنك عارها كما في المثل، ولا شك أن أهل الترفع والكبر لا يمشون مع الناس، ولا يغشون مجالسهم، هذا خلق أهل الكبر، التعالي والترفع عن الناس، حتى وجد منهم من لا يصلي في المسجد، فكيف يصلي –على حد زعمه- بين حمّال وزبّال، بعضهم يخشى على ثيابه أن تتسخ بملامسة ثياب الآخرين، وبعضهم يأنف أن يصاف فقير، هذا ضروب من الكبر شنيعة.
نعم قد يوجد بعض الناس من فيه ما يكره من أجله، إما رائحة أو جروح أو قروح مثل هذا هناك مبرر أن الإنسان لا يصافه، لكن بعض الناس بدون مبرر، يتعالى ويترفع وقد عرف عن بعض الناس أنه لا يصلي مع الجماعة لهذا، هو موجود في القدم.
الثانية: دخول الأسواق مباح للتجارة وطلب المعاش، وكان -عليه السلام- يدخلها لحاجته، ولتذكرة الخلق بأمر الله ودعوته، ويعرض نفسه فيها على القبائل؛ لعل الله أن يرجع بهم إلى الحق.