{مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء} فإن قيل: فإن كانت الأصنام التي تُعبد تُحشر فكيف تنطق وهي جماد؟ قيل له: ينطقها الله تعالى يوم القيامة كما ينطق الأيدي والأرجل، وقرأ الحسن وأبو جعفر:(أن نُتخَذ) بضم النون وفتح الخاء على الفعل المجهول، وقد تكلم في هذه القراءة النحويون، فقال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر: لا يجوز (نُتخذ)، وقال أبو عمرو: لو كانت (نُتخذ) لحذفت (من) الثانية فقلت: أن نتخذ من دونك أولياء، كذلك قال أبو عبيدة: لا يجوز (نُتخذ)؛ لأن الله تعالى ذكر (من) مرتين، ولو كان كما قرأ لقال: أن نتخذ من دونك أولياء، وقيل: إن (من) الثانية صلة، قال النحاس: ومثل أبي عمرو علي جلالته ومحله يستحسن ما قال؛ لأنه جاء ببينة وشرح ما قال أنه يقال: ما اتخذت رجلاً ولياً، فيجوز أن يقع هذا للواحد بعينه، ثم يقال: ما اتخذت من رجل ولياً فيكون نفياً عاماً، وقولك: ولياً تابع لما قبله فلا يجوز أن تدخل فيه من؛ لأنه لا فائدة في ذلك.
لكن القراءة الأولى {قَالُوا سُبْحَانَكَ} [(١٨) سورة الفرقان] ينزهون الله -جل وعلا- عمّا نسب إليهم من عبادتهم من دونه {مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء} [(١٨) سورة الفرقان] هذه القراءة هي الثابتة، وهي المتواترة، وأما قوله في قراءة:(ما كان ينبغي لنا أن نُتخذ) هم اتخذوا، أما كونهم لا ينبغي لهم أن يتخذوا، هذا كلام صحيح، جواب صحيح، لا يتخذون إلهاً من دون الله، ولا ولياً من دونه، لكن كونهم يتخذون أولياء من دون الله –اُتخذوا- ولذا يقول في أوله:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} [(١٧) سورة الفرقان] المقصود أنهم عُبدوا من دون الله.
{وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ} [(١٨) سورة الفرقان] أي في الدنيا بالصحة والغنى وطول العمر بعد موت الرسل صلوات الله عليهم، {حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} أي تركوا ذكرك فأشركوا بك بطراً وجهلاً فعبدونا من غير أن أمرناهم بذلك، وفي الذكر قولان: أحدهما: القرآن المنزل على الرسل، تركوا العمل به، قاله ابن زيد.