للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الرد فيها على القدرية في قوله: {أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} أي حفيظاً وكفيلاً حتى ترده إلى الإيمان وتخرجه من هذا الفساد، أي ليست الهداية والضلالة موكولتين إلى مشيئتك، بل مردهما إلى مشيئة الله -جل وعلا-، فإذا كان الأمر بيده أولاً وآخراً فلا كلام لأحد لا قدرية ولا غيرهم، بل الأمر إليه -جل وعلا-، ثم هل قوله: {أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} يعني هذا الذي أراد الله إضلاله هل أنت تستطيع أن تلزمه بهذا ولو بقتاله وقتله؟ {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [(٤٣) سورة الفرقان] أم أن هذه محكمة؟ ما دام الأمر كذلك والله -جل وعلا- قضى عليه بذلك فليترك، وتكون هذه مناسبة لبعض الناس دون بعض، منهم من يلزم ومنهم من يترك، من أهل العلم من يقول: بأنها منسوخة بآية السيف –بآية القتال- مثل هذا: إذا اتخذ إلهه هواه إما أن يدعى إلى الإسلام وإلا قتل؛ لأنه لا دين مع الإسلام، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [(٨٥) سورة آل عمران] ومنهم من يقول: إن آيات الموادعة والمصالحة والمهادنة حكمها باقٍ لكن تنزّل على بعض الأحوال دون بعض، فإذا كان في المسلمين قوة أعملت فيهم آيات القتال، وإذا كان فيهم ضعف أعملت فيهم آيات المهادنة، وهما طريقان لأهل العلم –منهم من يقول: إن ما كان في العهد المكي من الموادعة والمهادنة {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [(٩٤) سورة الحجر] كل هذا منسوخ بما جاء بعده في العهد المدني من الأمر بالقتال ومنهم من يحمله على حال الضعف، وأن المسألة مسألة أحوال تختلف، فإذا كان في المسلمين ضعف فيتنزل عليهم حال العهد المكي، وإذا كانوا بهم قوة تتنزل عليهم أحوال العهد المدني.

قوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} [(٤٤) سورة الفرقان] ولم يقل (أنهم)؛ لأن منهم من قد علم أنه يؤمن، وذمهم -جل وعز- بهذا، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} سماع قبول أو يفكرون فيما تقول فيعقلونه: أي هم بمنزلة من لا يعقل ولا يسمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>