وقال ابن السكيت: الظل ما نسخته الشمس، والفيء ما نسخ الشمس، وحكى أبو عبيدة عن رؤبة قال: كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظل، وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل، {وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} [(٤٥) سورة الفرقان] أي دائماً مستقراً لا تنسخه الشمس، قال ابن عباس: يريد إلى يوم القيامة، وقيل: المعنى لو شاء لمنع الشمس الطلوع.
ليستمر الظل.
{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} [(٤٥) سورة الفرقان] أي جعلنا الشمس بنسخها الظل عند مجيئها دالةً على أن الظل شيء ومعنى؛ لأن الأشياء تعرف بأضدادها، ولولا الشمس ما عرف الظل، ولا النور ما عرفت الظلمة، فالدليل فعيل بمعنى الفاعل، وقيل: بمعنى المفعول كالقتيل والدهين والخضيب، أي دللنا الشمس على الظل حتى ذهبت به، أي أتبعناها إياه، فالشمس دليل أي حجة وبرهان وهو الذي يكشف المشكل ويوضحه، ولم يؤنث الدليل وهو صفة الشمس؛ لأنه في معنى الاسم، كما يقال: الشمس برهان والشمس حق.
{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} [(٤٦) سورة الفرقان] يريد ذلك الظل الممدود، {إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} أي يسيراً قبضه علينا، وكل أمر ربنا عليه يسير، فالظل مكثه في هذا الجو بمقدار طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضاً.
يعني الظل الممتد إلى طلوع الشمس، لكن إذا طلعت الشمس أخذ ينقبض شيئاً فشيئاً إلى أن ينتهي بالزوال، ثم إذا زالت الشمس يبدأ الظل ويسمى الفيء بعد رجوعه إلى جهة المشرق يزداد شيئاً فشيئاً إلى غروب الشمس.