للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني ولو تلبس بذنوبٍ أخرى لكنه عفيف بالنسبة لما يوجب الحد من القذف بالزنا أو في اللواط هو عفيف عن هاتين المعصيتين والفاحشتين العظيمتين، وإن تلبس بغيرهما من سرقةٍ أو شربٍ أو نحوه.

وإنما شرطنا في المقذوف العقل والبلوغ كما شرطناهما في القاذف، وإن لم يكونا من معاني الإحصان لأجل أن الحد إنما وضع للزجر عن الإذاية بالمضرة الداخلة على المقذوف، ولا مضرة على من عَدم العقل والبلوغ إذ لا يوصف اللواط فيهما ولا منهما بأنه زنا ..

المضرة حاصلة على من عَدم العقل، لأن القذف لا يختص بالمقذوف لأنه يتعدى إلى أهله وذويه ومعارفه، ومثل ذا الصبي، لو أن إنساناً قذف صبياً أثم بلا شك، لكن هل يلزمه الحد الكامل؟ هذا محل الكلام هنا، لا يلزمه الحد الكامل؛ لأنه في الأصل غير مكلف، ولا يكتب عليه شيء، لكنه يلحقه العار كما يلحق أقاربه وأهله وذويه.

الخامسة: اتفق العلماء على أنه إذا صرح بالزنا كان قذفاً ورمياً موجباً للحد، فإن عرض ولم يصرح، فقال مالك: هو قذف، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يكون قذفاً حتى يقول: أردت به القذف، والدليل لما قاله مالك هو أن موضوع الحد في القذف إنما هو لإزالة المعرة التي أوقعها القاذف بالمقذوف، فإذا حصلت المعرة بالتعريض وجب أن يكون قذفاً كالتصريح، والمعول على الفهم، وقد قال تعالى مخبراً عن شعيب: {إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [(٨٧) سورة هود] أي السفيه الضال ..

لا شك أن التعريض قد يقرب من التصريح، وقد يبعد عنه، قد يكون بلفظ قريب من التصريح، وقد يكون بلفظٍ بعيد عن التصريح بحيث لا يفهمه كل أحد، وعلى كل حال إذا قرب من التصريح أخذ حكمه، وإذا بعد بحيث لا يفهمه إلا النوادر من الناس، فمثل هذا لا يأخذ حكمه في إقامة الحد الكامل.

<<  <  ج: ص:  >  >>