رواه نافع وابن عبد الحكم عن مالك، وهو قول ابن كنانة، وذكر الوقار عن مالك أنه لا تقبل شهادته فيما حد فيه خاصة، وتقبل فيما سوى ذلك، وهو قول مطرف وابن الماجشون، وروى العتبي عن أصبغ وسحنون مثله، قال سحنون: من حد في شيء من الأشياء، فلا تجوز شهادته في مثل ما حد فيه، وقال مطرف وابن الماجشون: من حدَّ في قذفٍ أو زنى فلا تجوز شهادته في شيء من وجوه الزنا ولا في قذف ولا لعان، وإن كان عدلاً، وروياه عن مالك، واتفقوا على ولد الزنا أن شهادته لا تجوز في الزنا ..
ولد الزنا لا تجوز شهادته بالزنا، وهو رجل حر مكلف، عدل ثقة صالح، وما الذي يمنع من قبول شهادته؟ قد يقول قائل: أنه معروف بهذا الوصف، وأنه ولد زنا، وأنه مشتهر بين الناس بذلك، فيريد من يكثر ويحول من شأن الزنا فيقذف به الناس، معروف بهذا الوصف، وبهذا الانتساب، ويشقّ عليه أن ينظر الناس إليه من هذه الحيثية بعين النقيصة، فتجده قد يتساهل في قذف فلان وفلان، ويفرح بخبرٍ جاء عن فلان وأن فلان زنا، وأن فلانة زنت، يعني ليخف الأمر بين الناس إذا كثر، يعني إذا كان جنسه كثير في البلد هان عليه الأمر، بخلاف ما إذا كان واحد نشاز في البلد تضيق به الدنيا بما رحبت.
وهذا شأن كل من اتصف بنقيصة، سواء كانت خلقية أو خلقية أو غير ذلك، تجد سيء الخلق يعزّ عليه أن لا يكون في بلد إلا هو سيء الخلق، تجد الناس كلهم أو جلهم على هذا الوصف ليخف أمره عند الناس، فهل السبب في كونه لا تقبل شهادة ابن الزنا -ولد الزنا- أنه يتساهل بها؟ يتساهل بالقذف، ويتساهل بما يتعلق بأمور الزنا ليكثر من يتصف بوصفه؟ يعني كل شخص اتصف بنقيصة ما يتمنى أن يكثر من يتصف بهذا الوصف؟ بغض النظر عن كون المسألة شرعية، وأن هذا لا يجوز أن يتمنى لأحد، ولو كان أسوأ الناس حالاً لا يتمنى أن يوجد مثله ولا واحد؛ لكن هذا واقع الناس، وهذا ما جبل عليه الناس، يتمنى أن يكون في البلد أكثر من شخص يحمل معه هذا العبء.