وسبب الخلاف في هذا الأصل سببان: أحدهما: هل هذه الجمل في حكم الجملة الواحدة للعطف الذي فيها أو لكل جملة حكم نفسها في الاستقلال، وحروف العطف محسن لا مشرك، وهو الصحيح في عطف الجمل؛ لجواز عطف الجمل المختلفة بعضها على بعض على ما يعرف من النحو.
نعم، إذا عطف جملة على جملة قد تكون هذه الجمل مختلفة، زيد راكب وعمر قائم، وبكر يأكل وفلان يشرب .. الخ، جمل مختلفة، ولا تقتضي أن تكون متساوية، لكن عطف الأفراد على نية تكرار العامل، فهي مشرك بينهما فيما عطفوا عليه.
السبب الثاني: يشبه الاستثناء بالشرط في عودة إلى الجمل المتقدمة، فإنه يعود إلى جميعها عند الفقهاء، أو لا يشبه به؛ لأنه من باب القياس في اللغة، وهو فاسد على ما يعرف في أصول الفقه، والأصل أن كلَّ ذلك محتمل، ولا ترجيح فتعين ما قاله القاضي من الوقف، ويتأيد الإشكال بأنه قد جاء في كتاب الله -عز وجل- كلا الأمرين، فإن آية المحاربة فيها عود الضمير إلى الجميع باتفاق، وآية قتل المؤمن خطأً فيها رد الاستثناء إلى الأخيرة باتفاق، وآية القذف محتملة للوجهين فتعين الوقف من غير ميل، قال علماؤنا: وهذا نظر كلي أصولي ويترجح قول مالك والشافعي -رحمهما الله- من جهة نظر الفقه الجزئي بأن يقال: الاستثناء راجع إلى الفسق، والنهي عن قبول الشهادة ..
النظر الكلي الأصولي يعني في القاعدة العامة، في الاستثناء المتعقب جمل، هل يعود إلى الأخيرة أو إلى الجميع؟ النظر الجزئي الفقهي في هذه المسألة بعينها، ما الحكم؟
بأن يقال: الاستثناء راجع إلى الفسق والنهي عن قبول الشهادة جميعاً، إلا أن يفرق بين ذلك بخبر يجب التسليم له، وأجمعت الأمة على أن التوبة تمحو الكفر فوجب أن يكون ما دون ذلك أولى، والله أعلم.
قال أبو عبيد: الاستثناء يرجع إلى الجمل السابقة، قال: وليس من نسب إلى الزنا بأعظم جرماً من مرتكب الزنا، ثم الزاني إذا تاب قبلت شهادته؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.