فَثَابِ إِلَيْهِ كُلُّ أَرْوعَ مَاجِدٍ ... صَبُورٍ عَلَى مَا نَابَهُ مُتَلَبِّبِ
فَضَارَبَ حَتَّى خَرَّ غَيْرَ مُوَائِلٍ ... إِلَى جَانِبٍ مِنْهُ عَزِيزٍ وَمَنْكِبِ
وَصُرِّعَ أَهْلُ الصَّبْرِ فِي الصَّفَّ كُلُّهُمْ ... وَأَجْفَلَ عَنْهُ كُلُّ وَانٍ مُحَوِّبِ
وَلَمَّا أَتَى قَتْلُ ابْنِ الأَشْتَرِ مُصْعَبًا ... دَعَا عِنْدَهَا عِيسَى فَقَالَ لَهُ اهْرُبِ
فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ لَسْتُ بِهَارِبٍ ... أَأَهْرَبُ إِنْ دَهْرٌ بِنَا حَانَ عَنْ أَبِي
فَقَالَ: تَقَدَّمْ أَحْتَسِبْكَ فَأَقْبَلَتْ ... إِلَيْهِ جُمُوعٌ مِنْ كِلابٍ وَأَذْؤُبِ
فَقَالَ لِفُجَّارِ الْعِرَاقِيِّينَ أَقْدِمُوا ... فَوَلَّوْا شِلالا كَالنَّعَامِ الْمُخَضَّبِ
وَشَدُّوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ فَلَمْ يَرُمْ ... كَلَيْثِ الْعَرِينِ الْخَادِرِ الْمُتَحَرِّبِ
فَضَارَبَهُ يَحْيَى وَعِيسَى أَمَامَهُ ... وَضَارَبَ تَحْتَ السَّاطِعِ الْمُتَنَصِّبِ
فَمَا بَرِحُوا حَتَّى أَزَارَهُمُ الْقَنَا ... شَعُوبٌ وَمَنْ يَسْلُبْ وَجَدِّكَ يُسْلَبِ
فَبَكِّ فَتَى دُنْيَا وَذَا الدِّينِ مُصْعَبًا ... وَأَعْوِلْ عَلَيْهِ وَاسْفَحِ الدَّمْعَ وَانْحَبِ
لَقَدْ رَحَلَ الأقْوَامُ غَدْرًا وَغَادَرُوا ... بِمَسْكِنَ أَشْلاءَ الْهُمَامِ الْمحَجَّبِ
صَرِيعَ فَتًى تَسْفِي عَلَى وَجْهِهِ الصَّبَا ... وَرِيحُ شَمَالٍ بَعْدَهَا رِيحُ أَجْنَبِ
وَأَضْحَى بِدَيْرَ الْجَاثَلِيقِ مُلَحَّبًا ... فَلا يَبْعِدَنَّ مِنْ قَتِيلٍ مُلَحَّبِ
سَقَى السَّارِيَاتُ الْجُونُ جُثْمَانَ مُصْعَبٍ ... وَأَجْلادَ عِيسَى الْمُرْتَجَى صَوْبَ صَيِّبِ
وَفِتْيَانَ صِدْقٍ صُرِّعُوا ثَمَّ حَوْلَهُ ... عَلَى الْحَقِّ مَنْ لا يَعْرِفُ الْحَقَّ يَرْتَبِ
أَمُصْعَبُ مَنْ يَحْرِبُ وَيُذْمَمْ فِعَالُهُ ... فَمَا كُنْتُ بِالْوَانِي وَلا الْمُتَحَرِّبِ
لَقَدْ عِشْتُ ذَا حَزْمٍ وَجُودٍ وَنَائِلٍ ... فَيَا عَجَبًا لِدَهْرِكَ الْمُتَقَلِّبِ
أَلَمْ تَكُ مِعْطَاءَ الْجَزِيلِ وَنَاعِشَ ... الْفَقِيرِ وَمَأْوَى كُلِّ عَافٍ وَمُجْدِبِ
وَكُنَّا مَتَى نَعْتِبْ عَلَيْكَ وَنَلْتَمِسْ ... جَدَاكَ يَنَلْنَا مِنْ جَدَاكَ وَتُعْتِبِ
فَقَدْ جَاءَنَا مِنْ بَعْدِكَ الْمَعْشَرُ الْعِدَى ... وَوَالٍ مَتَى يُنْطَقْ حَوَالِيهِ يَغْضَبِ
وَإِنْ تُلْتَمَسْ مِنْهُ الزَّبَادَةُ وَالْجَدَا ... وَيُسْتَمْطَرِ الْمَعْرُوفَ يَغْضَبْ وَيَحْرِبِ
وَتَسْمَرْ بِلا ذَنْبٍ أَكُفُّ غُزَاتِنَا ... وتُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَشِيكًا وَيُصْلَبِ
فَيَا دَهْرَنَا مِنْ قَبْلِ مَقْتِلِ مُصْعَبٍ ... أَلا ارْجِعْ بِدُنْيَانَا الرَّفِيعَةِ تَحْصِبِ
وَبِالأمْنِ وَالْعَيْشِ الَّذِي حَلَّ دُونَهُ ... فَهَذَا زَمَانُ الْخَائِفِ الْمُتَرَقِّبِ
فَبُعْدًا لِقَوْمٍ أَسْلَمُوا أَمْسِ مُصْعَبًا ... بِحَدِّ سِنَانٍ سَمْهَرِيٍّ مُذَرَّبِ
وَلِلسَّيْفِ نَغْشَاهُ وَيَفْرِي شُئُونَهُ ... وَكَانَ الْحَيَا لِلْمُفْلِحِ الْمُتَشَعِّبِ
وَدَانُوا لِطَاغٍ قَدْ أَرَاقَ دِمَاءَهُمْ ... عَسُوفٍ صَدُوقٍ قَاسِطِ الْفِعْلِ مُشْغِبِ
وَقَالَ لَهُمْ ذُوقُوا جَنَى مَا غَرَسْتُمُ ... أَلا رُبَّ بَانٍ لِلْعِمَارَةِ مُخْرِبِ
كَانَ دَاوُدُ بْنُ قَحْذَمٍ، أَحَدُ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، أَوَّلَ مَنْ غَدَرَ بِمُصْعَبٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
وَقَالَ ابْنُ ظَبْيَانَ:
يَرَى مُصْعَبٌ أَنِّي تَنَاسَيْتُ نَابِئًا ... لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ مَا ظَنَّ مُصْعَبُ
فَوَاللَّهِ مَا أَنْسَاهُ مَا ذَرَّ شَارِقٌ ... وَمَا لاحَ فِي شَرْقٍ مِنَ الأَرْضِ كَوْكَبُ
سَطَوْتَ عَلَيْهِ ظَالِمًا فَقَتَلْتَهُ ... فَقَصْرُكَ مِنِّي. . . . . . .