للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ الأشْتَرِ وَهُوَ مَعَ مُصْعَبٍ كِتَابًا، فَأَتَى بَهَ مُصْعَبًا قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهُ، فَفَضَّهُ مُصْعَبٌ فَقَرَأَهُ.

فَقَالَ: يَا أَبَا النُّعْمَانِ، أَوَ مَا تَدْرِي مَا فِيهِ؟ قَالَ: لا، وَمَا فِيهِ؟ قَالَ: يَعْرِضُ عَلَيْكَ دِجْلَةَ وَمَا سَقَتْ، أَوِ الْفُرَاتَ وَمَا سَقَى، فَإِنْ أَبَيْتَ جَمَعَهُمَا لَكَ جَمِيعًا.

قَالَ: أَلَقَى اللَّهَ تَعَالَى وَأَنَا أَجْذَمُ! لاهَا اللَّهُ إِذًا.

فَقَالَ مُصْعَبٌ: إِنَّ هَذَا لَمَا يُرْغَبُ فِيهِ.

فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَا كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَحَدٍ أَيْأَسَ مِنْهُ مِنِّي.

وَمَا تَرَكَ أَحَدًا مِمَّنْ مَعَكَ إِلا وَقَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ، فَضَرِّبْ أَعْنَاقَهُمْ.

قَالَ: كَيْفَ، وَلَمَ أَسْتَيْقِنْ؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَمَا إِذَا أَبَيْتَ ذَلِكَ فَابْعَثْ فَأَوْقِرْهُمْ حَدِيدًا، وَاطْرَحْهُمْ فِي أَبْيَضَ كِسْرَى، وَوَكِّلْ بِهِمْ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ، فَإِنْ ظَفِرْتَ عَفَوْتَ، أَوْ عَاقَبْتَ، وَإِنْ كَانَتِ الأَخُرْى ضَرِّبْ أَعْنَاقَهُمُ.

قَالَ: أَخَافَ أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَيَّ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُونَ: حَبَسَنَا وَفَعَلَ بِنَا.

دَعْ هَذَا عَنْكَ يَا أَبَا النُّعْمَانِ، إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا هُوَ غَيْرِي أَوْ غَيْرُكَ، إِمَّا أَنْ تَسِيرُوا، وَإِمَّا أَنْ أَسِيرَ.

قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِصَاحِبِ خَيْلٍ، إِنَّمَا صَاحِبُ الْخَيْلِ مَنْ كَرَّ وَفَرَّ، وَإِنَّمَا أَنَا صَاحِبُ مُزَاحَفَةٍ.

قَالَ: وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ إِذَا لَقِيَ الْحَرْبَ كَانَ مَعَهُ كُرْسِيَّانِ، يَحْمِلُ أَحَدَهُمَا فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، وَيُقَدِّمُ الآخَرَ، فَإِذَا زَحَفَ الْقَوْمُ جَلَسَ عَلَى ذَا وَقَدَّمَ الآخَرَ.

فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَنْتَ غَدًا مَقْتُولٌ بِمَضْيَعَةٍ.

فَقَالَ مُصْعَبٌ: وَاللَّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلا أَقْذِفَ بِنَفْسِي فِي الْبَحْرِ بُغْضًا لأَهْلِ الشَّامِ لَفَعَلْتُ، وَلَوْ لَمْ أَجِدْ إِلا النَّمْلَ، لَقَاتَلْتُ بِهِمْ أَهْلَ الشَّامِ.

فَتَقَدَّمَ، فَلَمَّا اصْطَفَ النَّاسُ مَالَ عَتَّابُ بْنُ وَرْقَاءَ بِالْخَيْلِ فَذَهَبَ بِهِمْ إِلَى الْكُوفَةِ، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ لِرَجُلٍ رَجُلٍ: تَقَدَّمْ.

فَيَأْبَوْنَ عَلَيْهِ، فَتَقَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفَّ مُصْعَبٌ فَخَذَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لِحَجَّارِ بْنِ أَبْجَرَ الْعِجْلَيِّ: تَقَدَّمْ يَا أَبَا أُسَيْدٍ، قَالَ: إِلَى هَذِهِ الْعَذْرَةِ؟ قَالَ: مَا تَتَأَخَّرُ إِلَيْهِ أَنْتِنُ.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْغَضْبَانِ بْنِ الْقَبَعْثَرَى، فَقَالَ: تَقَدَّمْ يَا أَبَا الشَّمْطِ.

فَقَالَ: مَا أَرَى ذَاكَ.

فَالْتَفَتَ إِلَى قَطْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيِّ، وَهُوَ عَلَى مَذْحِجٍ وَأَسَدٍ.

فَقَالَ: تَقَدَّمْ.

قَالَ: أُسْفِكُ دِمَاءَ مَذْحِجٍ فِي غَيْرِ شَيْءٍ.

فَقَالَ مُصْعَبٌ: أُفٍّ لَكُمْ.

ثُمَّ أَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ.

فَلَمَّا بَرَزَ قَالَ زِيَادُ بْنُ عَمْرٍو الْعَتَكِيُّ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ صَدِيقًا لِي، وَقَدْ خِفْتُ أَنْ يُقْتَلَ، فَآمِنْهُ.

قَالَ: هُوَ آمِنٌ.

فَأَقْبَلَ زِيَادٌ عَلَى فَرَسٍ لَهُ.

<<  <   >  >>